النقد المصري في العهد الهيلانستيكي البطلمي
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 502 ــ 504
2025-08-10
527
عندما تولى الإسكندر الأكبر زمام الأمور في مصر لم يكن استعمال النقود المسكوكة باسمه بالشيء الغريب عن المصريين وبخاصة بين الأوساط الراقية؛ فقد كانت هناك نقود مسكوكة باسم آخر فرعون، وإن كان معظمها يصرف أجورًا للجنود المرتزقين، وتدل شواهد الأحوال على أن كثيرًا من النقود التي كانت تُتداول في مصر وقتئذ قد أحضرها المهاجرون إلى مصر معهم،1 هذا إلى قطع نقود عليها صور أخرى.
وفي خلال العهد الذي كان فيه بطليموس شطربة مصر وكذلك في السنين الأولى من تولِّيه عرش مصر نجده قد قَفَا السياسة النقدية التي كان يسير على نهجها الإسكندر فَسَكَّ نفس العملة الذهبية والفضية التي كانت تتبع المعيار الأتيكي، كما كان المتَّبع في كل العالم الهيلانستيكي، ونجد أنه في عهد «الإسكندر الرابع» كان النقد الذي سُكَّ في حكمه مميزًا بخاصية وهي أن رأس الإسكندر المصورة على النقد كانت مغطاة بمسلاخ فيل بدلًا من مسلاخ الأسد الذي كان مستعملًا من قبل هذا، ونشاهد على ظهر النقود في تلك الفترة صورة الآلهة «أثينا» المحاربة، وبذلك حلت محل الإله «زيوس» الذي صُوِّر قاعدًا على عرشه، هذا وقد شوهد كذلك نسر بطليموس على النقد، وأخيرًا نجد على بعض قطع أن اسم بطليموس قد أضيف إلى اسم الإسكندر، ومن سلسلة هذه الصور يمكن تتبع ما كانت تنطوي عليه نفس بطليموس من طموح متزايد شيئًا فشيئًا،2 ويلفت النظر أنه في عقد زواج مؤرخ بالسنة 311 ق.م؛ أي عندما كان بطليموس لا يزال شطربة قد اشترط فيه أن يكون المهر بالدرخمات المسكوكة من الفضة التي عليها صورة الإسكندر، وهذا العقد عُثر عليه في الفنتين،3 وهذه الدرخمات كان عيارها كعيار الدرخمة الأتيكي.
وعلى أية حال فإن بطليموس الأول لم يلبث أن ابتدع سياسة نقدية جديدة فغيَّر العيار بسكِّ عملة فضية أخف وزنًا من العملة الأتيكية، وربما كان غرضه من ذلك أن يجعلها تتفق مع أثمان المعادن الثمينة التي كانت آخذة في الارتفاع بثبات في حالة الفضة وآخذة في النقصان من حيث الذهب، فضَرَبَ نقوده على حسب العيار المتبع في جزيرة «رودس» وهو الذي كان أخف وزنًا، وربما كان الغرض من ذلك تسهيل التجارة بين مصر وهذه الجزيرة، وفي عام 305 ق.م بدأ «بطليموس الأول» يسك نقوده مُزينة بصورته، فكانت أول نقود بطلمية عُرفت لنا، وكانت نقوده عبارة عن استاتر إغريقي (105 قروش تقريبًا)، وقِطَعٍ من ذوات ثلاث الدرخمات من الفضة و«أبولات» من النحاس، وقد تخلى عن المعيار الروديسي واستعمل العيار الفينيقي وبخاصة في سيريني، وكانت مصانع السكة موجودة في «سيريني»، والإسكندرية.4
ومما تجدر ملاحظته هنا أن «بطليموس الأول» لم يتخذ المعيار الفينيقي إلا في أواخر حكمه، وقد كان غرضه من ذلك أن يخفض وزن النقد الفضي على حسب العيار الذي كان مستعملًا في البلاد الفينيقية، وهذا المعيار قد استمر حتى نهاية العهد البطلمي.
وقد كانت الفضة التي استُعملت العيار الرئيسي تتبع تقلبات السعر التجاري للذهب والفضة في عالم البحر الأبيض، فكانت السكوك المتتابعة تعطي للقطع النقدية الوزن الذي يجعل النسبة دائمًا محفوظة بين كل النقود المسكوكة من حيث القيمة دائمًا، فكانت نسبة الذهب للفضة واحدًا إلى عشرة في القرن الخامس، وقد نزلت هذه النسبة إلى حوالي واحد إلى عشرة بعد حملات الإسكندر الذي شتت شمل خزائن الدولة الفارسية.
وفي بداية القرن الثالث ازداد نزول قيمة الذهب كذلك في كل العالم الإغريقي، ومن ثم كانت نسبة وزن العملة هي واحد إلى ثمانٍ، وفي نهاية النصف الأول من القرن الثالث ازدادت قيمة الذهب شيئًا فشيئًا، ويرجع السبب في ذلك إلى انقطاع وصول الذهب من «البنجاب» في نفس الوقت الذي انسحب من هذا الإقليم التسلط المقدوني، يضاف إلى ذلك أن استغلال مناجم الفضة في أسبانيا بكثرة قد حطَّ من قيمة هذا المعدن بالنسبة إلى الذهب، وفي حوالي 258-257ق.م وُجد في تقدير محتويات كيس من المال جاء ذكره في ورقة من أوراق «زينون» ما يدلنا على أن النسبة بين الذهب والفضة هي واحد إلى ثلاث عشرة وثلث؛ أي إنها بالضبط النسبة التي كانت متبعة في القرن الخامس، وقد أكد ذلك أن استغلال مناجم الذهب في مصر لم يكن له تأثير على سوق هذا المعدن.
أما من حيث المكانة التي كان يشغلها الذهب بالنسبة للفضة فإن مصر الفرعونية كانت حتى عهد الرعامسة على أقل تقدير في موقف مختلف عن الذي كان فيه عالم شرقي البحر الأبيض المتوسط فلا بد من أن الفضة كانت تُستورد إليها بمصاريف باهظة فكانت غالية نسبيًّا ونادرة، ففي الأسرة العشرين كانت نسبة ثمن الذهب للفضة كنسبة اثنين لواحد، هذا ولا نعلم ماذا حدث لهذه النسبة عند فتح الإسكندر للبلاد المصرية؟5 حيث يقول إن النسبة كانت تتراوح ما بين 15 و1، وهذا يختلف عما ذكره المؤرخ «ملن» Milne، وعلى أية حال فإنه ليس لدينا ما يجعلنا نأخذ بهذه النسبة في آخر العهد الفرعوني.
والواقع أن الفضة التي كانت نادرة في مصر في عهد البطالمة كما يدل على ذلك قلة ذكرها في ورقة «هاريس» الكبرى قد أخذت تدخل إلى البلاد بفتح باب التجارة بين مصر وبلاد الإغريق بمقدار قليل، ونجد في المعابد الكبيرة سبائك فضة كانت تُتداول، وقد جاء ذكر الفضة في العقود والأثاث وشراء العبيد والحيوان، وبوجه خاص ذُكرت بمثابة مهر زواج.
..................................................
1- راجع: Svoronos, Co 3-4; W. Grisecke Das Ptolemaergeld. PP. 3-4
2- راجع: Seltman, Greek Coins. P. 240.
3- راجع: P. Eleph. 1.
4- راجع: Gresecke, Das Ptolemaer geld, PP. 4–7, Pl. 1, Nos. 5, 6, 7.
5- راجع هذه النقطة: Segré, Metrologie. PP. 257-258.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة