تكذيب النبي نوح من قبل كبار قومه
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 5 ص72-75.
2025-08-03
668
تكذيب النبي نوح من قبل كبار قومه
قال تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } [المؤمنون: 23 - 30].
قال الشيخ الطوسيّ ( رحمه اللّه تعالى ) : ثم أقسم تعالى أنه أرسل نوحا إلى قومه ، يدعوهم إلى اللّه ، ويقول له اعْبُدُوا اللَّهَ وحده لا شريك له ، فإنه لا معبود لكم غيره ، ويحذرهم من عقابه ، ويقول أَفَلا تَتَّقُونَ نقمة اللّه بالإشراك معه في العبادة .
ثم حكى أن الملأ وهم - جماعة أشراف قومه - الكفار ، قال بعضهم لبعض : ليس نوح هذا إلا مخلوقا مثلكم ، وبشر مثلكم ، وليس بملك يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ فيسودكم ويترأسكم وأن يكون أفضل منكم وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما قاله من توحيده واختصاصه بالعبادة لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً عليكم يدعونكم إلى ذلك . ثم قالوا ما سَمِعْنا بِهذا يعني بما قال نوح ، وبمثل دعوته . وقيل بمثله بشرا أتى برسالة من ربه في أسلافنا الماضين وآبائنا وأجدادنا الذين تقدمونا .
ثم قالوا : إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ أي ليس هذا - يعنون نوحا - إلا رجلا به جنة أي تعتاده غمرة تنفي عقله حتى يتخيل إليه ما يقوله ويخرجه عن حال الصحة وكمال العقل ، فكان أشراف قومه يصدون الناس عن اتباعه ، بما حكى اللّه عنهم ، وقالوا : إنه لمجنون يأتي بجنونه بمثل هذا . ويحتمل أن يكونوا أرادوا كأنه في طعمه فيما يدعوه إليه مجنون . ثم قال بعضهم لبعض : فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ أي إلى وقت ما ، كأنهم قالوا لهم تربصوا به الهلاك وتوقعوه .
وقال الطوسيّ : يقول اللّه تعالى أن نوحا عليه السّلام لما نسبه قومه إلى الجنة ، وذهاب العقل ، ولم يقبلوا منه ، دعا اللّه تعالى ، فقال رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ أي أعني عليهم ، فالنصرة المعونة على العدو . فأجاب اللّه تعالى دعاءه . وأهلك عدوه ، فأغرقهم ونجاه من بينهم بمن معه من المؤمنين . وقوله بِما كَذَّبُونِ يقتضي أن يكون دعا عليهم بالإهلاك جزاء على تكذيبهم إياه ، فقال اللّه تعالى إنا فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ وهو السفينة بِأَعْيُنِنا وقيل في معناه قولان :
1 - بحيث نراها ، كما يراها الرائي من عبادنا بينه ، ليتذكر أنه يصنعها ، واللّه ( عزّ وجلّ ) يراه .
2 - بأعين أوليائنا من الملائكة والمؤمنين ، فإنهم يحرسونك من منع مانع لك .
وقوله وَوَحْيِنا أي بإعلامنا إياك كيفية فعلها . وقوله فَإِذا جاءَ أَمْرُنا يعني إذا جاء وقت إهلاكنا لهم وَفارَ التَّنُّورُ روي أنه كان جعل اللّه تعالى علامة وقت الإهلاك فوران التنور بالماء . فقال له : إذا جاء ذلك الوقت فَاسْلُكْ فِيها يعني في السفينة ، وكان فوران الماء من التنور المسجور بالنار ، معجزة لنوح عليه السّلام ودلالة على صدقه ، وأكثر المفسرين على أنها التنور التي يخبز فيها . وروي عن علي عليه السّلام أنه أراد طلوع الفجر . . . ومعنى فَاسْلُكْ فِيها احمل فيها وأدخل إلى السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أي من كل زوجين ، من الحيوان اثنين : ذكرا وأنثى . والزوج واحد له قرين من جنسه وقوله وَأَهْلَكَ أي أجمل أهلك معهم ، يعني الذين آمنوا معك إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بالإهلاك منهم وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أي لا تسلني في الظالمين أنفسهم بالإشراك معي ف إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ هالكون .
ثم قال له فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ يا نوح وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ واستقررتم فيه وعلوتم عليه ، وتمكنتم منه فقل شكرا للّه الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا وخلصنا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ لنفوسهم بجحدهم توحيد اللّه .
وقل داعيا رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ وقال الجبائي : المنزل المبارك هو السفينة . وقال مجاهد : قال ذلك حين خرج من السفينة . وقال الحسن : كان في السفينة سبعة أنفس من المؤمنين ، ونوح ثامنهم . وقيل : ستة . وقيل : ثمانين . وقيل : إنه هلك كل ما كان على وجه الأرض إلّا من نجا مع نوح في السفينة .
وقال الحسن : كان طول السفينة ألفا ومئتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع . وكانت مطبقة تسير بين ماء السماء وبين ماء الأرض .
ثم قال تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ يعني فيما أخبرناك به وقصصنا عليك لَآياتٍ ودلالات للعقلاء ، يستدلون بها على توحيد اللّه وصفاته وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ أي وإن كنا مختبرين عبادنا بالاستدلال على خالقهم بهذه الآيات ، ومعرفته وشكره على نعمه عليهم ، وبعبادته وطاعته وتصديق رسله « 1 ».
_________________
( 1 ) التبيان : ج 7 ، ص 362 - 364 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة