العذاب المبرم منجز بموعده
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 5 ص77-79.
2025-08-03
538
العذاب المبرم منجز بموعده
قال تعالى : {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [المؤمنون : 41، 42].
قال الشيخ الطبرسيّ ( رحمه اللّه تعالى ) : لما قال سبحانه : إن هؤلاء الكفار يصبحون نادمين على ما فعلوه ، عقبه بالإخبار عن إهلاكهم ، فقال : فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ صاح بهم جبرائيل صيحة واحدة ، ماتوا عن آخرهم بِالْحَقِّ أي : باستحقاقهم العقاب بكفرهم فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً وهو ما جاء به السيل من نبات قد يبس ، وكل ما يحمله السيل على رأس الماء من قصب ، وعيدان شجرة ، فهو غثاء ، والمعنى : فجعلناهم هلكى قد يبسوا كما يبس الغثاء ، وهمدوا .
- أقول : قال أبو جعفر عليه السّلام : والغثاء : اليابس الهامد من نبات الأرض « 1 » . -
فَبُعْداً أي : ألزم اللّه بعدا من الرحمة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ المشركين المكذبين ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي : من بعد هؤلاء قُرُوناً آخَرِينَ أي : أمما وأهل أعصار آخرين ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ هذا وعيد للمشركين معناه : ما تموت أمة قبل أجلها المضروب لها ، ولا تتأخر عنه .
وقيل : عنى بالعذاب الموعود لهم على التكذيب أنه لا يتقدم على الوقت المضروب لهم لذلك ، ولا يتأخر عنه . والأجل هو الوقت المضروب لحدوث أمر من الأمور . والأجل المحتوم لا يتأخر ، ولا يتقدم . والأجل المشروط بحسب الشرط . والمراد بالأجل المذكور في الآية : الأجل المحتوم .
ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا أي : متواترة يتبع بعضهم بعضا . . . وقيل : متقاربة الأوقات . وأصله الاتصال لاتصاله بمكانه من القوس ، ومنه الوتر وهو الفرد عن الجمع المتصل . قال الأصمعي : يقال : واترت الخبر : أتبعت بعضه بعضا ، وبين الخبرين هنيهة .
- أقول قال أبو جعفر عليه السّلام في قوله تعالى ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا يقول بعضهم في إثر بعض » « 2 ».
كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ ولم يقروا بنبوته فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً يعني في الإهلاك أي : أهلكنا بعضهم في أثر بعض وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي : يتحدث بهم على طريق المثل في الشر ، وهو جمع أحدوثة ، ولا يقال هذا في الخير . والمعنى : إنا صيرناهم بحيث لم يبق بين الناس منهم إلّا حديثهم فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ظاهر المعنى .
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا أي : بدلائلنا الواضحة وَسُلْطانٍ مُبِينٍ أي : وبرهان ظاهر بين
إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ خص الملأ وهم الأشراف بالذكر ، لأن الآخرين كانوا أتباعا لهم فَاسْتَكْبَرُوا أي :
تجبروا وتعظموا عن قبول الحق وَكانُوا قَوْماً عالِينَ أي : متكبرين قاهرين ، قهروا أهل أرضهم ، واتخذوهم خولا .
فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا أي أنصدق لإنسانين خلقهم مثل خلقنا ، ويسمى الإنسان بشرا لانكشاف بشرته ، وهي جلدته الظاهرة حتى احتاج إلى لباس يكنه ، وغيره من الحيوان مغطى البشرة بصوف ، أو ريش ، أو غيره ، لطفا من اللّه سبحانه بخلقه ، إذ لم يكن هناك عقل يدبر أمره مع حاجته إلى ما يكنه . والإنسان يهتدي إلى ما يستعين به في هذا الباب .
وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ أي : مطيعون طاعة العبد لمولاه . قال الحسن :
كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون ، وفرعون يعبد الأوثان
فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ أي : فكذبوا موسى وهارون ، فكان عاقبة تكذيبهم أن أهلكهم اللّه ، وغرقهم .
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ أي : التوراة لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ أي :
لكي يهتدوا إلى طريق الحق والصواب « 3 ».
____________
( 1 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 91 .
( 2 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 91 .
( 3 ) التبيان : ج 7 ، ص 191 - 192 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة