الحث على التفكر والتدبر فيما يدل على توحيد الله
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 5 ص400-402.
2025-07-09
541
الحث على التفكر والتدبر فيما يدل على توحيد الله
قال تعالى : {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الروم: 8 - 11].
قال الطبرسيّ : ثم حثّ سبحانه على التفكر والتدبر فيما يدل على توحيده من خلق السماوات والأرض ، ثم في أحوال القرون الخالية ، والأمم الماضية فقال :{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} أي : في حال الخلوة ، لأن في تلك الحالة يتمكن الإنسان من نفسه ، ويحضره ذهنه وقيل : معناه أو لم يتفكروا في خلق اللّه أنفسهم ، والمعنى : أو لم يتفكروا فيعلموا ، وحذف لأن في الكلام دليلا عليه . {ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ} قال الزجاج : معناه إلّا للحق أي : لإقامة الحق ، ومعناه للدلالة على الصانع ، والتعريض للثواب . وَأَجَلٍ مُسَمًّى أي : ولوقت معلوم توفى فيه كل نفس ما كسبت . وقيل : معناه خلقها في أوقات قدرها اقتضت لمصلحة خلقها فيها ، ولم يخلقها عبثا . . .
( سؤال ) : قالوا كيف يعلم المتفكر في نفسه أن اللّه سبحانه لم يخلق شيئا إلّا بالحق ؟ وكيف يعلم الآخرة ؟
( جواب ) : قلنا إذا علم بالنظر في نفسه أنه محدث مخلوق ، وأن له محدثا قديما ، قادرا عالما حيا ، وأنه لا يفعل القبيح ، وأنه حكيم ، علم أنه لم يخلقه عبثا ، وإنما خلقه لغرض ، وهو التعريض للثواب ، وذلك لا يتم إلا بالتكليف ، فلا بد إذا من الجزاء ، فإذا لم يوجد في الدنيا ، فلا بد من دار أخرى يجازى فيها . ويعلم إذا خلق ما لا ينتفع بنفسه ، فلا بد أن يكون الغرض أن ينتفع الحي به .
{وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ} أي : بلقاء جزاء ربهم ، وبالبعث ، وبيوم القيامة ، لجاحدون غير معترفين ، ثم نبههم سبحانه دفعة أخرى فقال : {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } فهلكوا وبادوا ، فيعتبروا بهم لعلمهم أنهم أهلكوا بتكذيبهم .
وَأَثارُوا الْأَرْضَ أي : وقلبوها وحرثوها بعمارتها . . .{ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها} أي : أكثر مما عمرها هؤلاء الكفار ، لأنهم كانوا أكثر أموالا ، وأطول أعمارا ، وأكثر عددا ، فحفروا الأنهار ، وغرسوا الأشجار ، وبنوا الدور ، وشيدوا القصور ، ثم تركوها ، وصاروا إلى القبور ، وإلى الهلاك والثبور .
{وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ} أي : أتتهم رسلهم بالدلالات من عند اللّه .
وفي الكلام حذف تقديره : فجحدوا الرسل ، وكذبوا بتلك الرسل ، فأهلكهم اللّه بالعذاب فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ بأن يهلكهم من غير استحقاق وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بأن جحدوا رسل اللّه ، وأشركوا معه في العبادة سواه ، حتى استحقوا العذاب عاجلا وآجلا .
ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا إلى نفوسهم بالكفر باللّه ، وتكذيب رسله ، وارتكاب معاصيه السُّواى أي الخلة التي تسوء صاحبها إذا أدركها ، وهي عذاب النار ، . . . {أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ} أي : لتكذيبهم بآيات اللّه ، واستهزائهم بها .
ثم ذكر سبحانه قدرته على الإعادة فقال : {اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أي : يخلقهم ابتداء ، ثم يعيدهم بعد الموت أحياء ، كما كانوا .{ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }، فيجازيهم بأعمالهم « 1 ».
_________________
( 1 ) مجمع البيان : ج 8 ، ص 48 - 49 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة