إدراك الخالق بالحس والعقل
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص160-163
2025-07-08
619
لمّا كان الهدف وهو معرفة الطالب لما لا يُدرك بالحسّ والعقل حقّ إدراكه، ليس بسهل، وإنّما يستند على تنقية الفؤاد: فقد قال: بگو سيمرغ وكوه قاف چبود؟ *** بهشت ودوزخ وأعراف چبود؟[1]
و اعلم أنّه قد رويت وقيلت الكثير من الحكايات حول طائر العنقاء كلٌّ حسب تأويله، وأمّا ما يخطر ببال الحقير الفقير فهو أن العنقاء رمز للذات الواحدة المطلقة، وأن القاف، وهو مقرّها، يرمز إلى الحقيقة الإنسانيّة التي هي مظهر تامّ لتلك الحقيقة، وأن الحقّ بكامل أسمائه وصفاته، متجلٍّ وظاهر بها.
و أمّا ما قيل من أن جبل قاف محيط بالعالم من كلّ جوانبه لعظمته، فإنّ هذا المعنى ظاهر في الحقيقة الإنسانيّة، لأنّ تلك الحقيقة كما مرّ بيانها، تشتمل على جميع حقائق العالم، ولأنّ الإنسان يمثّل أحديّة الجمع ظاهراً وباطناً، وهو منتخب كلّ العالم وخلاصته.
و كلّ من وصل إلى معرفة الحقيقة الإنسانيّة، اعتماداً على قاعدة أن مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ،[2] تيسّرت له رؤية الحقّ تعالى ومعرفته، حيث إنّ: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ،[3] وعلى هذا، فإنّ من وصل إلى جبل قاف، فقد وصل إلى العنقاء. شعر:
گرنه آن حسن در تجلّى بود *** آن أنا الحقّ كه گفت: سُبحاني[4]
كه تواند به غير او گفتن *** لَيْسَ في جُبَّتي كه مىخوانى[5]
هر چه هستى است در تو موجود است *** خويشتن را مگر نميداني[6]
[1] يقول: «أ تعرف ما العنقاء أو طود قاف؟ *** أو الجنّة وجهنّم والأعراف؟»
[2] جاء في تفسير «الميزان» ج 6، ص 182، في (بحث روائيّ) في ذيل الآية الشريفة {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، نقلًا عن «الغرر والدُّرر» للآمديّ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ. وروي كلّ من الشيعة والسنّة ذلك أيضاً، وهو حديث مشهور. وقال بعض العلماء: هذا الحديث يُشير إلى التعليق بالمحال ومفاده استحالة معرفة النفس باستحالة الإحاطة العِلميّة بالله سبحانه؛ وهذا القول مرفوض أوّلًا لقول النبيّ صلى الله عليه وآله في رواية أخرى: أعْرَفُكُمْ بِنَفْسِهِ أعْرَفُكُمْ بِرَبِّهِ. وثانياً أن هذا الحديث مُناقضٌ لقول الله تعالى: {وَ لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأنسَاهُمْ أنفُسَهُمْ}.
و قد أفاض العلّامة في بحث مفصّل حول هذا الحديث واستشهد بكثير من الروايات حول ذلك في ص 186.
هذا وقد ورد الحديث المذكور كذلك في «مرصاد العباد» ص: 3، 174، 185، 413، و535، طبعة بنگاه ترجمه ونشر كتاب.
[3] جاء في كتاب «أحاديث المثنويّ» ص 62، و63، الطبعة الثانية:
چون مرا ديدي خدا را ديدهاي *** گرد كعبه صدق بر گرديدهاى
مقتبساً معناه من الحديث القائل: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ. («البخاريّ» ج 4، ص 135؛ «صحيح مسلم» ج 7، ص 54؛ «كنوز الحقائق» ص 125؛ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ، فَإنَّ الشَّيْطانَ لَا يُتَرَاءَى بِي. («الجامع الصغير» ج 2، ص 170).
[4] قال السمعانيّ في كتاب «رَوح الأرواح في شرح أسماء الملك الفتّاح» ص 129 و132: «كان بايزيد يصيح: سُبحاني ما أعظمَ شأني. وهو القائل: سُبحاني سُبحاني».
و قال علاء الدولة السمنانيّ في «العروة لأهل الخلوة والجلوة» ص 94: «لكن اعلم أنّه إذا انتهى التجلّي الصوريّ والذي لا يرى بعده تجلٍّ آخر، فإنّه سيرى ختامه على صورته وسيكون مصدراً للفناء لاهجاً بلسانه عبارة: أنا الحقّ، وسبحاني دون إرادته».
و يقول الشيخ نجم الدين الرازيّ في كتاب «العشق والعقل» ص 89: «و إذا خرج الجسم من بيضة الوجود، صرخ قائلًا: سبحاني ما أعظم شأني؛ بينما لا تزال قدمه داخل البيضة».
[5] قال سعيد الدين الفرغانيّ في كتاب «مشارق الدراريّ» ص 634: «إلّا إذا كان كالشخص الذي يصل بكمال التخلّق والتحقّق بالأسماء الإلهيّة إلى مقام الجمع الوجوديّ ويغرق في بحره اللجّيّ.
حينئذٍ سيصرخ بلسان الجمع الإلهيّ قائلين: أنا الحقّ وسبحاني وليس في الجنّة سوى الله.
و قال في «السيرة الحلبيّة» ج 1، ص 290: «و من ثمّ ذكر القاضي عياض في «الشفاء»: أن مَن ادّعى حلول الباري في أحد الأشخاص كان كافراً بإجماع المسلمين. وقول بعض العارفين وهو أبو يزيد البسطاميّ: سبحاني ما أعظم شأني، وقوله: {إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا فاعبدني}، وقوله: و{أنا ربّي الأعلى}، وقوله: {أنا الحقّ} وهو أنا وأنا هو؛ ليس من دعوى الحلول في شيء».
[6] يقول: «أن كلّ ما هو موجود من وجود يكمن فيك أنت؛ عجباً، أ لا تعرف نفسك؟».
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة