تجرّد النفس يستدعي بقاءها و فناءها في ذات الله تعالى
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص138-141
2025-07-08
461
هذا شأنه صعب لإدراك حقيقته وعسر فهم هويّته، و الذي أدركه القوم من حقيقة النفس ليس إلّا ما لزم وجودها من جهة البدن و عوارضه الإدراكيّة و التحريكيّة، و لم يتفطّنوا من أحوالها إلّا من جهة ما يلحقها من الإدراك و التحريك، و هذان الأمران ممّا اشترك فيهما جميع الحيوانات.
و أمّا ما أدرك منها أزيد من ذلك و هو تجرّدها و بقاؤها بعد انقطاع تصرّفها عن هذا البدن فإنّما عُرِفَ ذلك من كونها محلّ العلوم، و أن العلم لا ينقسم و محلّ غير المنقسم غير منقسم، فالنفس بسيطة الذات، و كلّ بسيطة الذات غير قابل للفناء و إلّا لزم تركّبه من قوّة الوجود و العدم و فعليّة الوجود و العدم هذا خلف.
هذا غاية عرفانهم بالنفس أو ما يقرب من هذا. و من ظنّ أنّه بهذا القدر عرف حقيقة النفس فقد استسمن ذا ورم».[1]
و هنا يجهد صاحب «الأسفار» بطرق مختلفة في تعريف النفس و بيانها، و بما أنّنا لسنا بصدد إثبات تجرّد النفس، فسنعزف عن ذكره هنا.
و على العموم، يجب تطهير العين من النظر لغير ليلى، و غسل الاذن من الاستماع، إلّا لصوتها، حتى تأذن بالنظر إلى طلعتها، و الإنصات لحديثها.
إلهي، ما العمل؟ و ما الحيلة؟ و إجمالًا، هل من بارقة أمل، أم علينا أن نلقي بأنفسنا في أحضان اليأس؟ لقد قالت نساء الحيّ من قبيلة ليلى: اذهبْ و طهّر عينيك و أذنيك. تطهير العين هو بالبكاء على فراق المحبوب الأزليّ في الليالى الحالكة؛ و تطهير الاذن بغلقها عن سماع حديث السوء الذي يغضب المعشوق؛ تطهير العين عَنْ كُلِّ مَا لَا يُحِلُّ اللهُ النَّظَرَ إليه و تطهير الاذن عَنْ كُلِّ مَا لَا يُحِلُّ اللهُ الاسْتِمَاعَ إليه.
أليس قد ورد في الروايات أن الله العليّ القدير يحبّ العين الباكية من بين سائر العيون؟ و أن كلّ عين يوم القيامة ستبكي، إلّا التي سهرت الليالى باكية من خوف الله.
ولكن لِمَ هذا البكاء؟ هذا البكاء للنظرات التي كانت لغير الله، و هو غُسل لدَنَس و أوساخ البصر و البصيرة؛ لأنّ النظر إلى ليلى بدون هذا الغسل و التطهير غير ممكن. فالتطهير -إذاً- هو طريق و سبيل يوصل إلى الهدف، و بعد طي هذه الطريق، يسمو الإنسان أعلى و أعلى حتى يتعرّف إلى الله، و هناك حيث لا أحد غير الله. فكل المراحل قد طويت، و هذا المسكين قد بكى حتى طهر ناظِرَيه، و نساء الحيّ قد كففن عن ملامته، و يمضي و يمضي حتى يصل إلى ليلى إذ لَم يَعُد عشقه مجازيّاً و لا مادّيّاً، كما لم تعد ليلى بدناً، بل هي روح و نفس مجرّدة؛ و في هذه الحال إذا أمست في المشرق و قيس في المغرب، فهناك ارتباط بينهما. فهو يعيش صحوها و نومها، و مرضها و عافيتها.
كان كثير من أصحاب الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و أصحاب الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم على هذه الحال. هكذا كان اوَيس اليمانيّ القرنيّ و كانوا يحسّون بالوجدان نوايا أسيادهم و قادتهم، و كانت ضمائرهم تُدرك الصالح و الفاسد في الامور على خطى ضمائر أسيادهم و مواليهم. فهذا اويس يُكسر له ضرس في اليمن، في نفس اليوم و في نفس الساعة التي كُسِرَ فيها ضرس النبيّ في يوم احد.
قيل لمّا فُصِدَ قيس، تعالى صياحه، و فسّر ذلك بأنّه يخاف على ليلى من الألم، و خشيَ أن- حين فَصدوا يَده- قد فصدوا يدها و هي في ديارها.
گفت مجنون من نميترسم ز نيش *** صبر من از كوه سنگين است بيش
منبلم بى زخم ناسايد تنم *** عاشقم بر زخمها بر مىتنم[2]
ليك از ليلى وجود من پُر است *** اين صدف پر از صفات آن دُر است
ترسم اى فصّاد اگر فصدم كني *** نيش را ناگاه بر ليلى زني
داند آن عقلى كه او دل روشنى است *** در ميان ليلى و من فرق نيست
من كيم ليلى و ليلى كيست من *** ما يكى روحيم اندر دو بدن[3]
[1] «الأسفار الأربعة» ج 8، ص 343 و 344، باب 7، فصل 3.
[2] يقول: «قال- مجنون ليلى-: أنا لا أخاف المِبضَع، لأنّ صبري أقوى من الجبل الشامخ.
و لأنّني عاشق فإنّ جسمي لا يهدأ بعيداً عن الجروح التي أستطيع مقاومتها و الصبر على آلامها».
[3] يقول: «و أن وجودي مليءٌ بالحيويّة بسبب وجود ليلى، فهذه الصَّدَفَة (التي هي أنا) تعكس كلّ صفات تلك الجوهرة التي هي ليلى. و إنّي- أيّها الحجّام- لأخاف أن تشتبه يدك فتجرح ليلى بينما تريد فصد عرقي. ذلك أن كلّ من له عقل و هو لبيب لا يمكنه التفريق بيني و بين ليلى.
فأنا في الحقيقة ليلى و ليلى هي أنا، إذ نحن روح واحدة تسكن بدنَيْن».
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة