الشطربيات في عهد الملك دارا
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص 487 ــ 489
2025-06-28
366
أما في عهد «دارا» فقد كان المبدأُ المتبع بكل دقة هو «فَرِّقْ واحكم»؛ ولذلك فإن أي ميل إلى الاتحاد كان لا بد من تَجَنُّبه، وقد رأى «دارا» تفاديًا من تجمع كل القوة في يد رجل واحد أن يعين شطربًا، (معنى كلمة شطرب: سيد البلاد)، وقائدًا ووزيرًا في كل إقليم، وهؤلاء الموظفون الثلاثة كانوا مستقلين بعضهم عن بعض، كما كانوا يقدمون تقاريرهم مباشرة للإدارة الرئيسية.
ولا نزاع أنه في ظل هذا النظام الذي ينطوي على سُلُطات مقسمة كان من الجائز جدًّا أن يكون هؤلاء الموظفون بعضهم بعضًا، وعلى ذلك فإنهم — على أغلب الظن — لم يكن في مقدورهم تنظيمُ ثورة على الملِك، يُضاف إلى ذلك أن «دارا» قد اتخذ احتياطًا أكثر من ذلك، وهو أنه كان يُرسل مفتشين من أعلى الدرجات في فتراتٍ غير منتظمة يصحبهم قواتٌ من الجند عظيمة البطش ومزودة بنفوذ عظيم يخول لهم فحص؛ أي موضوع ومعاقبة؛ أي خروج على القانون، هذا إلى أنهم كانوا يقدمون تقاريرهم عن الشطرب والموظفين الآخرين.
وقد يعترض على هذا النظام بأنه يشل يد الحاكم في الحالات الخطرة المفاجئة عندما يقتضي الأمر سرعة البت، ولكن في الواقع كان هذا النظام يسير سيرة حسنة بشرط يقظة الموظفين القائمين عليه، وقد كان دارا مُحِقًّا عندما قال: إِنَّ أعظم خطر يهدد بلادَه هو الثورةُ المنظمة التي ينظمها حاكمٌ من حُكَّام الأقاليم النائية.
وكان عددُ الشطربيات التي تتألف منها الإمبراطورية يتراوح ما بين عشرين وثمانية وعشرين في عُهُود مختلفة في مدة حُكْم أيِّ ملك، ولم تكن «فارس» مهد سلالة الملك تعتبر على وجه عام شطربية، وكان سكانها لا يدفعون ضرائبَ، غير أنهم كانوا مرتبطين بتقديم هدايا للملك عندما كان يمر في البلاد، ويمكن تقسيم المديريات إلى: شرقية، وهي الواقعة على الهضبة الإيرانية، وغربية وهي الواقعة غرب «فارس» نفسها، وعلى رأس الشطربيات الفارسية «ميديا» ثم يأتي بعدها «هركانيا Hyrcania» و«بارثيا Parthia » و«زارانكا Zaranka » أو «زارانجيا Zarangia» و«آريا Aria» و«خوارزم Khorasmia » و«بكتريا Bactria » و«سوغديانا Soghdiana » و«جاندارا Ganadara » وبلاد «ساكا Sakae » و«ستاجيديا Sattagydia » و«أراخوزيا Arachosia » وبلاد «ماكا Maka »، ومن ثم يحتمل أن الكلمة الحديثة «ماكران» قد أتت منها.
وفي الغراب تقع «أوفايا Uvaja » أو «عيلام» (سوسيانا)، ثم «بابل» و«كالديا»، و«أثورا Athura » (آشور القديمة)، وبلاد العرب (وتشمل معظم سوريا وفلسطين)، و«مصر» (وتشمل الفنيقيين والقبرصيين وسكان الجزر اليونانية)، و«ياونا Yauna» أو «أيونيا» (وتشمل «ليسيا Lycia»، و«كاريا» والمستعمرات الإغريقية التي على الساحل)، و«سباردا Sparda» (أي «ليديا»)، والأراضي التي غرب «هاليس Halys » و«أرمينيا»، و«كابادوشيا Cap padocia ».
وكانت تُجبى الضرائب من هذه الشطربيات، إما نقدًا وإما عينًا، وكان أقل دخل في الضرائب يُجبى هو الذي يحصل من البلاد التي تسمى حديثًا «بلوخستان» لفقرها، فقد كان يُجبى منها 170 تالنتا من الفضة في حين كان يُجبى من «بابل» ألف تالنتا، ومن «مصر» 700 تالنتا من الذهب، وقد كان مجموعُ الدخل يساوي بالنقد الحالي 3708280 جنيهًا، وكان «دارا» أول ملك ضرب النقود، فقد كان النقد المسمى «دارك» — وهو عملة ذهبية تزن 130 حبة — مشهورًا بنقائه، ولم يلبثْ أنْ أضحت العملةَ الذهبية القديمة الوحيدة في العالم القديم، وكذلك كانت تضرب العملة الفضية. وإنه لمن المهم حقًّا أن نعلم أن الجنيه الإسترليني والشلن الإنجليزي يكادان يساويان الدرك والشكل الفارسيين على التوالي، (راجع: Journal of Hellenic Studies Vol. XXXIX. 1919).
وقد كانت الضرائبُ العينية فادحة، فقد كانت «بابل» تطعم ثلث الجيش والبلاط في حين كانت «مصر» تقدم غلالًا لإطعام جيش مكونٍ من 120 ألف رجل، وكانت «ميديا» تورد الخيل والبغال والأغنام كما كانت «أرمينيا» تقدم المهارى وتورد «بابل» الخصيان وغيرهم، وفضلًا عن ذلك كان على المديريات تقديم هذه الضرائب الملكية، وأن تعول الشطرب وبلاطه وجيشه.
ولما لم تكن هناك مرتبات مربوطة للموظفين وهم الذين كانوا فضلًا عن ذلك يشترون وظائفهم؛ فإن العبء الذي كان يقع على كاهل المديريات فادحًا إن لم يكن لا يُحتمل، ولكن من جهة أُخرى كانت هناك قوانينُ رادعةٌ ذُكرتْ من قبل كانت تجعل كل شطربة يقف عند حده، وبخاصة إذا كان المتربِّعُ على عرش المُلك قادرًا وحازمًا.
ولا بد أن نذكر أنَّ الطبقة السفلى في كل بلاد كانت متعودة أن تُجبر على دفع أقصى ما يمكن من الضرائب على يد الحكام الوطنيين، هذا فضلًا عن أن النظام الجديد قد منح الملك ميزانية منتظمة، وبذلك قَلَّت الطلبات الباهظة على أية مديرية منفردة، وأخيرًا كان النظام الجديد أحسن بكثير من النظام الذي سبقه. حقًّا كان هذا النظام ناقصًا من الوجهة الحربية، كما أشار إلى ذلك «ماسبرو»؛ فقد كان للملك «دارا» حرسٌ يتألف من ألفي فارس وألفين من المشاة كانت حرابهم تحمل تفاحات من الذهب أو الفضة، وكان يأتي بعدهم عشرة الآلاف الخالدون، وكانوا ينقسمون عشر فرق كانت الأولى منها حرابها مزينة برمانات من الذهب، وهذا الحرس كان هو نواة الجيش الإمبراطوري، وكان يُعاضدُهُ جنودٌ من الميديين، وكذلك حامياتٌ كانت توضَع في مراكزَ هامة مختلفة، تتألف من جُنُود إمبراطورية مميزة عن الجنود المحلية، وعندما كانت تشعل نار حرب عظيمة، كانت تتدفق على الجيش الفارسي آلافٌ من الجُنُود غير المدربين والمختلفين عن بعضهم بعضًا من حيث اللغة وأساليب الحرب والمعدات، وقد كانت هذه القوة غير المنظمة هي السبب الرئيسي في سقوط الإمبراطورية الفارسية في نهاية الأمر.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة