تولى دارا الملك عام 521ق.م
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص485 ــ 486
2025-06-28
425
لقد قُوبل ادعاء «دارا» عرش الملك بشيءٍ من المعارضة، وذلك أن «جوماتا» المغتصب كان قد اجتذب إليه حُبَّ الشعب بإعفائه من الخدمة العسكرية، وبالتراخي في جمع الضرائب، هذا فضلًا عن أنَّ حُكَّامَ الأقاليم النائية قد أرادوا أن يكونوا مستقلين في أقطارها، وقد نتج عن ذلك أن اضطرَّ «دارا» أن يُعيد فتح مديريات كثيرة من جديد، حتى لم يَبْقَ له من الولاء على جيشه وممتلكاته إلا القليل.
وقد كان أولُ مَنْ قام بثورة على «دارا» مديريتي «عيلام» و«بابل»، وذلك بعد موت المغتصب للعرش مباشرة، ففي «عيلام» أُخذ أميرها «أرتينا» أسيرًا ثم أُرسل إلى «دارا» فقتله بيده، أما في «بابل» فقد ادعى فردٌ يسمى «نيدينتوبل» أنه ابن الملك «تابونيد» وسَمَّى نفسه باسم «نيوخد ناصر» الشهير فسارع إليه في الحال «دارا»، وبعد مناورات أفلح في عُبُور «الفرات»، وهناك هزم جيش العاصي في موقعتين، وبعد ذلك هرب «نيدينتو بل» إلى «بابل»، وقد اضطر «دارا» إلى حصاره، وفي هذه الأثناء انتهزت بلاد «ميديا» فرصةَ قيام هذه الثورات على «دارا» بقَصْدِ استرجاع استقلالها بقيادة فردٍ يدعي أنه من نسل «سياكزرس Cyaxres »، كما قام مدعٍ آخرُ في «عيلام» يُريد ملكها، غير أنَّ الملك «دارا» أرسل فرقتين من جُنُوده إلى «ميديا» و«أرمينيا» دون أن يفك حصار «بابل»، وقد انتصر في «أرمينيا» انتصارًا باهرًا، إلا أنه لم يلبثْ أن فوجئ بقيام ثورة في «ساجارتيا Sagartia» في مديرية «هيركانيا»، وهي الإقليمُ الذي كان يحكمُهُ والدُهُ «هيستابس»، ولم يقتصر الأمرُ على ذلك بل قامت ثورةٌ في «فارس»؛ إذ قام فيها محتالٌ آخرُ ادعى أنه «بارديا»، ولكن عبقرية «دارا» وشجاعته قد تَغَلَّبَتَا على كل ذلك بجيشه وقُوَّةِ شخصيته، فقد سقطتْ في يده «بابل» بعد حصار سنتين في عام 519ق.م، وبعد ذلك أصبح «دارا» حُرًّا في ملاقاة أعدائه كل على انفراد، فسار بجيشه المدرَّب فقضى بسرعة على الميديين وأسر «فرا أوتس Phraotes» في «الري» وقطع أنفه وأذنيه ولسانه ثم اقتلع عينيه، ثم سيق بهذه الحالة البشعة إلى الباب الملكي في السلاسل والأغلال حيث أُقعد على خازوق، وبعد ذلك توالت انتصاراته في «أرمينيا»، ثم على المدعي البابلي، وقد كان من جراء ظهور مدعٍ آخر بابلي أن هددت «بابل» ثانية بالسقوط، ولكن حاميتها كانت قوية لقمع الثورة التي انتهت بالقبض على «سمرديس» الكَذَّاب الثاني في عام 518ق.م وانتهت هذه الثورات التي أظهرت «دارا» أمام العالم أنه رجل قيادة عظيم، ومن ثم خيم السلام على ربوع إمبراطوريته الشاسعة الأطراف بفضل مهارته وقوة شكيمته.
وبعد أن استتب الأمن أخذ «دارا» المنتصر يُعاقب أولئك الحكام الذين أحفظه سلوكهم ويكافئ الذين مَدُّوا له يدَ المساعدة في وقت المحنة، وفي تلك الفترة زار هذا الملكُ العظيمُ «مصر» بعد أن قتل حاكمها فأخذ يعمل على استرضاء كهنة البلاد وجلب محبتهم، وذلك بالإنعام عليهم بكل أنواع الهدايا والمنح كما شرحنا ذلك في موضعه.
وبعد أن هدأت الأحوال في المديريات البعيدة أخذ في تنظيم إمبراطوريته المترامية الأطراف في ظل إدارة موحدة، وقد كانت الطريقة القديمة التي أدخلها «تجلات بليزر»، وهي التي بقيت منذ عهده مستعملة؛ ترتكز جزئيًّا على ترحيل آلاف الأسرى إلى أقاليم بعيدة عن أوطانهم، وجلب آخرين ليأخذوا مكانهم، وقد كان المواطنون الجُدُد يُنظر إليهم على أنهم أجانب عن أهل البلاد، وكانوا — بطبيعة الحال — يعاضدون الحاكم الآشوري، وكذلك كانت كل مملكة تُفتح تُضاف إلى مديرية مجاورة لها، أو كانت تؤلف مديريةً منفصلة تُجبى منها الضرائبُ على طريقة بدائية.
على أنَّ «بابل» لم تهضم قط بهذه الحالة، والواقعُ أنَّ هذا النظام كان غيرَ كامل إلى حَدٍّ بعيد؛ وذلك لأن الحُكَّام في كل مديرية كانوا مستقلين تمام الاستقلال، وقد كان هذا النظام ممكنًا فقط طالما كانت الإمبراطوريةُ غيرَ مترامية الأطراف، وقد برهنت الثوراتُ المستديمة على أن القبض على زمام الأُمور في «آشور» كان من الصعب الوصول إليه.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة