قصة أصحاب الرس
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 5 ص168-172.
2025-06-16
604
قصة أصحاب الرس
قال تعالى : {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان : 38].
قال أبو الصلت عبد السّلام بن صالح الهرويّ : حدثنا علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ( صلوات اللّه عليهم أجمعين ) ، قال : « أتى علي بن أبي طالب عليه السّلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم ، يقال له : عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن أصحاب الرسّ ، في أي عصر كانوا ، وأين كانت منازلهم ، ومن كان ملكهم ، وهل بعث اللّه عزّ وجلّ إليهم رسولا ، أم لا ، وبماذا أهلكوا ؟ فإني أجد في كتاب اللّه عزّ وجلّ ذكرهم ، ولا أجد خبرهم .
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام : لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد من قبلك ، ولا يحدّثك به أحد بعدي إلّا عنّي ، وما في كتاب اللّه عزّ وجلّ آية إلّا وأنا أعرفها ، وأعرف تفسيرها ، وفي أي مكان نزلت ، من سهل ، أو جبل ، وفي أي وقت من ليل أو نهار ، وإن ها هنا لعلما جمّا - وأشار إلى صدره - ولكنّ طلابه يسير ، وعن قليل يندمون لو فقدوني .
كان من قصّتهم - يا أخا تميم - أنّهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر ، يقال لها : شاه درخت ، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين ، يقال لها دوشاب ، كانت أنبتت لنوح عليه السّلام بعد الطّوفان ، وإنّما سمّوا أصحاب الرسّ ، لأنّهم رسّوا « 1 » نبيّهم في الأرض ، وذلك بعد سليمان بن داود عليه السّلام .
وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطىء نهر يقال له : الرسّ ، من بلاد المشرق ، وبهم سمّي ذلك النهر ، ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه ، ولا أعذب منه ، ولا قرى أكثر ولا أعمر منها ، تسمّى إحداهنّ آبان ، والثانية آذر ، والثالثة دي ، والرابعة بهمن ، والخامسة اسفندار ، والسادسة فروردين ، والسابعة أردي بهشت ، والثامنة خرداد ، والتاسعة مرداد ، والعاشرة تير ، والحادية عشر مهر ، والثانية عشر شهريور .
وكانت أعظم مدائنهم إسفندار ، وهي التي ينزلها ملكهم ، وكان يسمّى :
تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم عليه السّلام ، وبها العين والصنوبرة ، وقد غرسوا في كلّ قرية منها حبّة من طلع تلك الصنوبرة ، وأجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة ، فنبتت الحبّة ، وصارت شجرة عظيمة ، وحرّموا ماء العين والأنهار ، فلا يشربون منها ، ولا أنعامهم ، ومن فعل ذلك قتلوه ، ويقولون : هو حياة آلهتنا ، فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها ، ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرّس ، الذي عليه قراهم .
وقد جعلوا في كل شهر من السنة يوما ، في كلّ قرية ، عيدا يجتمع إليه أهلها ، فيضربون على الشجرة التي بها كلّة « 2 » من حرير ، فيها من أنواع الصور ، ثمّ يأتون بشاة وبقر ، فيذبحونها قربانا للشجرة ، ويشعلون فيها النيران بالحطب ، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها « 3 » في الهواء ، وحال بينهم وبين النّظر إلى السّماء ، خرّوا للشجرة سجّدا ، ويبكون ويتضرّعون إليها أن ترضى عنهم ، فكان الشيطان يجيء فيحرّك أغصانها ، ويصيح من ساقها صياح الصبيّ : إني قد رضيت عنكم - عبادي - فطيبوا نفسا ، وقرّوا عينا . فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ، ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف ، ويأخذون الدّست بند « 4 » ، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ، ثمّ ينصرفون .
وإنّما سمّت العجم شهورها بآبان ماه ، وآذر ماه ، وغيرهما ، اشتقاقا من أسماء تلك القرى ، لقول أهلها بعضهم لبعض : هذا عيد شهر كذا ، وعيد شهر كذا ؛ حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى ، اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم ، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباح ، عليه من أنواع الصور ، وجعلوا له اثني عشر بابا ، كلّ باب لأهل قرية منهم ، ويسجدون للصنوبرة ، خارجا من السّرادق ، ويقرّبون إليها الذبائح ، أضعاف ما قرّبوه للشجرة التي في قراهم ، فيجيء إبليس عند ذلك ، فيحرّك الصنوبرة تحريكا شديدا ، ويتكلّم من جوفها كلاما جهوريّا ، ويعدهم ويمنّيهم بأكثر مما وعدتهم ومنّتهم الشياطين كلّها ، فيرفعون رؤوسهم من السّجود ، وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ، ولا يتكلّمون ، من الشرب والعزف ، فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها ، بعدد أعيادهم بسائر السنة ، ثمّ ينصرفون .
فلمّا طال كفرهم باللّه عزّ وجلّ وعبادتهم غيره ، بعث اللّه عزّ وجلّ إليهم نبيا من بني إسرائيل ، من ولد يهودا بن يعقوب عليه السّلام ، فلبث فيهم زمانا طويلا ، يدعوهم إلى عبادة اللّه عزّ وجلّ ، ومعرفة ربوبيّته ، فلا يتّبعونه ، فلمّا رأى شدة تماديهم في الغيّ والضلال ، وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح ، وحضر عيد قريتهم العظمى ، قال : يا ربّ ، إنّ عبادك أبوا إلّا تكذيبي ، والكفر بك ، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضرّ ، فأيبس شجرهم أجمع ، وأرهم قدرتك وسلطانك . فأصبح القوم وقد يبس شجرهم ، فهالهم ذلك ، وفظع بهم ، وصاروا فرقتين : فرقة قالت : سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السّماء والأرض إليكم ، ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه . وفرقة قالت : لا ، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ، ويقع فيها - ، ويدعوكم إلى عبادة غيرها ، فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها ، فتنتصروا منه .
فأجمع رأيهم على قتله ، فاتّخذوا أنابيب طوالا من رصاص ، واسعة الأفواه ، ثمّ أرسلوها في قرار العين ، إلى أعلى الماء ، واحدة فوق الأخرى ، مثل البرابخ « 5 » ، ونزحوا ما فيها من الماء ، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيّقة المدخل ، عميقة ، وأرسلوا فيها نبيّهم ، وألقموا فاها سخرة عظيمة ، ثم أخرجوا الأنابيب من الماء ، وقالوا : الآن نرجو أن ترضى عنّا آلهتنا ، إذا رأيت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها ، ويصدّ عن عبادتها ، ودفنّاه تحت كبيرها ، يتشفّى منه ، فيعود إليها نورها ونضرتها كما كان ، فبقوا عامّة يومهم يسمعون أنين نبيّهم عليه السّلام ، وهو يقول : سيّدي ، قد ترى ضيق مكاني ، وشدة كربي ، فارحم ضعف ركني ، وقلّة حيلتي ، وعجّل بقبض روحي ، ولا تؤخّر إجابة دعوتي ، حتى مات عليه السّلام .
فقال اللّه عزّ وجلّ لجبرئيل عليه السّلام : يا جبرئيل ، أيظن عبادي هؤلاء ، الذين قد غرّهم حلمي ، وأمنوا مكري ، وعبدوا غيري ، وقتلوا رسولي ، أن يقيموا لغضبي ، أو يخرجوا من سلطاني ؟ كيف وأنا المنتقم ممّن عصاني ، ولم يخش عقابي ، وإنّي حلفت بعزّتي وجلالي لأجعلنّهم عبرة ونكالا للعالمين .
فلم يرعهم « 6 » وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديدة الحرة ، فتحيّروا فيها ، وذعروا منها ، وتضام « 7 » بعضهم إلى بعض ، ثم صارت الأرض من تحتهم كحجر كبريت يتوقّد وأظلّتهم سحابة سوداء ، فألقيت عليهم كالقبة جمرا يلتهب ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرّصاص في النار . فنعوذ باللّه تعالى ذكره من غضبه ، ونزول نقمته ، ولا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم » « 8 » .
ودخلت امرأة مع مولاة لها على أبي عبد اللّه عليه السّلام ، فقالت : ما تقول في اللّواتي مع اللّواتي ؟ قال : « هنّ في النار ، إذا كان يوم القيامة أتي بهنّ ، فألبسن جلبابا من نار ، وخفّين من نار ، وقناعا من نار ، وأدخل في أجوافهنّ وفروجهنّ أعمدة من نار ، وقذف بهنّ في النار » .
فقالت : أليس هذا في كتاب اللّه ؟ قال : « بلى » قالت : أين هو ؟ قال :
« قوله : وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ فهن الرسّيّات » « 9» .
_______________
( 1 ) رسّوه في الأرض : دسّوه فيها . « لسان العرب - رسس - ج 6 ، ص 98 » .
( 2 ) الكلّة : الستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البق . « الصحاح - كلل - ج 5 ، ص 1812 » .
( 3 ) القتار : ريح الشواء . « الصحاح - قتر - ج 2 ، ص 786 » .
( 4 ) دستبند : فارسية ، نوع من الرقص الجماعي الشبيه بالدبكة . « المعجم الذهبي : ص 268 » .
( 5 ) البرابخ : البالوعة الواسعة من الخزف . « أقرب الموارد - برخ - ج 1 ، ص 35 » .
( 6 ) الرّوع : الفزع . « لسان العرب - روع - ج 8 ، ص 135 » .
( 7 ) تضام القوم : إذا انضم بعضهم إلى بعض . « الصحاح - ضمم - ج 5 ، ص 1972 » .
( 8) عيون أخبار الرضا عليه السّلام : ج 1 ، ص 205 ، ح 1 .
( 9 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 113 .
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في القصص القرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة