النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
شريط حركة الظهور المقدس للإمام الحجّة "عج"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص417-438
2025-06-14
36
الستة عشر شهراً الأولى
تدل الأحاديث الشريفة على أن حركة الإمام المهدي عليه السلام وثورته المقدسة ، تتم في ستة عشر شهراً ، وأنه يكون في الستة أشهر الأولى خائفاً يترقب ، يوجه الأحداث سراً بواسطة أصحابه ثم يكون نحو شهرين في مكة ، ثم يتوجه إلى المدينة فيبقى فيها مدة قليلة ، ثم يتوجه إلى العراق ، ثم إلى الشام والقدس .
وتنص الأحاديث على أن معاركه مع أعدائه ثمانية أشهر ، فينتصر عليهم ، ويوحد العالم الإسلامي تحت حكمه ، ثم يعقد هدنة مع الغربيين بمساعدة عيسى عليه السلام .
ويقع حادثان قبل حركة ظهوره عليه السلام بنحو ستة أشهر ، يكونان إشارة إلهية له :
الأول : انقلاب في بلاد الشام بقيادة عثمان السفياني ، ويظهر من قرائن عديدة أن اليهود والغربيين يقفون وراءه ، ويعتبرونه إنجازاً مهماً في ضبط المنطقة المحيطة بفلسطين ، بيد زعامة قوية موالية لهم .
أما الذين يعرفون أحاديث السفياني وأنه مقدمة لظهور المهدي عليه السلام فيقولون : صدق الله ورسوله ، سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ، ويستعدون لنصرته عليه السلام .
والثاني : النداء السماوي إلى شعوب العالم يسمعونه بلغاتهم ، آتياً من السماء من كل صوب كأنه من فوق الكعبة ، فلا يبقى نائم إلا استيقظ ولا قاعد إلا نهض ، ويخرج الناس من بيوتهم لينظروا ما الخبر ؟ !
وهو نداء يعلن انتهاء الظلم وسفك الدماء ويأمر باتباع الإمام المهدي عليه السلام ويسميه باسمه واسم أبيه !
عندها يتحقق تأويل قوله تعالى : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ، وتخضع أعناق البشر لهذه الآية الإلهية ، ويعم العالم السؤال : من هو المهدي وأين هو ؟
لكن أتباع الشيطان يشككون الناس بالنداء وينشطون لقتل الإمام المهدي عليه السلام ! بينما يزداد المؤمنون إيماناً بأنه النداء الحق الموعود بالإمام المهدي عليه السلام ، ويتوافدون لنصرته .
هنا يبدأ الإمام عليه السلام بالظهور تدريجياً كما وصف أمير المؤمنين عليه السلام : « يظهر في شبهة ليستبين ، فيعلو ذكره ويظهر أمره » . « البحار : 52 / 3 » . أي ليتضح أمره للناس ويستبين أو ليختبر استجابة الناس له ويستبين ذلك .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول أنهم قد رأوه فيكذبونهم » . « النعماني / 277 » . فهم صادقون لكن الناس لايصدقونهم في أول الأمر . ويقوم الإمام عليه السلام في تلك الفترة بتوجيه الممهدين اليمانيين والإيرانيين ، ويتصل بأنصاره في شتى بلاد المسلمين .
وتتركز أنظار العالم في تلك الفترة على الحجاز باحثةً عن المهدي عليه السلام لأنه من أهل المدينة وحركته ستبدأ من مكة . ويقوم جيش السفياني باعتقال كثير من بني هاشم في المدينة ، على أمل أن يكون المهدي عليه السلام منهم !
ويرافق ذلك موجة في الشعوب الإسلامية في الحديث عن المهدي ونداء جبرئيل عليه السلام باسمه فيكون ذلك تمهيداً لظهوره . لكنها تكون فترة خصبة للكذابين لادعاء المهدية ومحاولة تضليل الناس ! فقد ورد أن العديد يدعون المهدية قبل ظهوره عليه السلام ومنهم اثنا عشر شخصاً من آل أبي طالب ، وكلها رايات ضلال ، ومحاولات لاستغلال تطلع العالم إلى ظهوره عليه السلام .
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إياكم والتنويه ، أما والله ليغيبن إمامكم سبتاً من دهركم ، ولتمحصن حتى يقال مات أو هلك بأي واد سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفؤن كما تكفأ السفن أمواج البحر ، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه . ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيٌّ من أي ! قال المفضل : فبكيت فقال : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ فقلت : كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي ، فكيف نصنع ؟ قال : فنظر إلى شمس داخلة في الصفة ، فقال : يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم . قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس » . « النعماني / 151 » . والمعنى : أن أمر المهدي عليه السلام متميز بآياته ، لا يلتبس بغيره ، فهو أوضح من الشمس .
بيعة المهدي عليه السلام على أثر موت حاكم وصراع القبائل
عبد الرزاق : 11 / 371 : « عن النبي صلى الله عليه وآله قال : يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من المدينة فيأتي مكة ، فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره ، فيبايعونه بين الركن والمقام ، فيبعث إليه جيش من الشام ، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ، فيأتيه عصائب العراق وأبدال الشام فيبايعونه ، فيستخرج الكنوز ويقسم المال ، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض ، يعيش في ذلك سبع سنين ، أو قال تسع سنين » .
والعصائب : الجماعات القليلة العدد . يُلقي بجرانه : أي يتمكن في الأرض ويقوى .
وروى ابن شيبة : 15 / 45 : « عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يبايع لرجل بين الركن والمقام كعدة أهل بدر ، فتأتيه عصائب العراق وأبدال الشام ، فيغزوهم جيش من أهل الشام ، حتى إذا كانوا بالبيداء يخسف بهم ، ثم يغزوهم رجل من قريش أخواله كلب فيلتقون فيهزمهم الله فكان يقال : الخائب من خاب من غنيمة كلب » .
ورواه أحمد : 6 / 316 ، عن أم سلمة ، وفيه : « من المدينة هارب إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه . فيبعث إليهم جيش من الشام فيخسف بهم بالبيداء ، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق فيبايعونه . ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليه المكي بعثاً فيظهرون عليهم ، وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب . فيقسم المال ويعمل في الناس سنة نبيهم . يمكث تسع سنين » .
وأبو داود : 4 / 107 و 108 ، عن أم سلمة وقتادة ومعاذ . وأبو يعلى : 1 / 322 ، وابن المنادي / 41 ، والطبراني الكبير : 23 / 295 و 389 ، والحاكم : 4 / 431 ، والبغوي : 3 / 493 ، من حسانه ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 62 ، كأبي داود . . إلى آخر المصادر وفيها الصحيح السند والحسن ، كما في المنار المنيف / 144 . وقال في مجمع الزوائد : 7 / 314 : رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله رجال الصحيح .
وقال الحافظ ابن الصديق في رده على ابن خلدون / 504 : « أغنانا بإقراره أن رجال الحديث رجال الصحيحين ، وأنه لامطعن فيهم ولا مغمز ، عن إيراد أقوال أهل النقد فيهم ، وعن تقرير ما يثبت صحة الحديث ، إذ أعلى الصحيح ما رواه الشيخان ، أو كان على شرطهما ، وإن لم يخرجاه كهذا الحديث » . انتهى .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 340 : « عن أرطاة قال : إذا كان الناس بمنى وعرفات نادى مناد بعد أن تَحَازَبَ القبائل : ألا إن أميركم فلان ، ويتبعه صوت آخر : ألا إنه قد كذب ! ويتبعه صوت آخر : ألا إنه قد صدق ، فيقتتلون قتالاً شديداً فجلُّ سلاحهم البراذع وهو جيش البراذع !
وعند ذلك ترون كفاً معلمةً في السماء ، ويشتد القتال حتى لا يبقى من أنصار الحق إلا عدة أهل بدر ، فيذهبون حتى يبايعوا صاحبهم » .
ثم عقد ابن حماد باباً بعنوان : « اجتماع الناس بمكة وبيعتهم للمهدي فيها ، وما يكون تلك السنة بمكة من الاختلاط والقتال ، وطلبهم المهدي بعد القتال واجتماعهم عليه » . روى فيه : أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « في ذي القعدة تحازَبُ القبائل ، وعامئذ ينتهب الحاج ، فتكون ملحمة بمنى ، فيكثر فيها القتلى وتسفك فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة ، حتى يهرب صاحبهم فيؤتى به بين الركن والمقام ، فيبايع وهو كاره ، ويقال له إن أبيت ضربنا عنقك ، فيبايعه مثل عدة أهل بدر ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض . . .
عن عبد الله بن عمرو قال : يحج الناس معاً ويعرفون معاً على غير إمام ، فبينما هم نزول بمنى إذ أخذهم كالكَلَب ، فثارت القبائل بعضهم إلى بعض ، فاقتتلوا حتى تسيل العقبة دماً ، فيفزعون إلى خيرهم فيأتونه وهو ملصق وجهه إلى الكعبة يبكي ، كأني أنظر إليه وإلى دموعه فيقولون : هلمَّ فلنبايعك ، فيقول : ويحكم كم من عهد قد نقضتموه ، وكم من دم قد سفكتموه ، فيبايع كرهاً . فإن أدركتموه فبايعوه فإنه المهدي في الأرض والمهدي في السماء . .
إلى آخر رواياته العديدة المشابهة عن عبد الله وابن المسيب ، وابن عباس ، وابن حوشب ، وغيرهم .
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : « تكون آية في شهر رمضان ، ثم تظهر عصابة في شوال ، ثم تكون معمعة في ذي القعدة ، ثم يسلب الحاج في ذي الحجة ، ثم تنتهك المحارم في المحرم ، ثم يكون صوت في صفر ، ثم تنازع القبائل في شهري ربيع . ثم العجب كل العجب بين جمادى ورجب ، ثم ناقة مقتبة خير من دسكرة تغل مائة ألف » . وروى نحوه الطبراني الأوسط : 1 / 313 . والحاكم : 4 / 517 . كرواية نعيم . ومعنى ناقة مُقَتَّبة : أن الأمن يفقد حتى تكون الناقة المعدة للسفر والفرار خيراً من الأملاك الثابتة . والدسكرة : المزرعة .
وقد تقدمت رواية موت حاكم الحجاز من مصادرنا في الفتن المتصلة بظهوره عليه السلام وفي أحاديث النداء السماوي ، كالذي رواه النعماني / 267 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « بينا الناس وقوفٌ بعرفات ، إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة ، يخبرهم بموت خليفة يكون عند موته فرج آل محمد صلى الله عليه وآله ، وفرج الناس جميعاً » . ورواه عقد الدرر / 106 ، وإثبات الهداة : 3 / 737 ، والبحار : 52 / 240 . والذعلبة : الخفيفة السريعة كناية عن الإسراع في إيصال الخبر ، والظاهر أن وقع الخبر يكون شديداً على أتباعه ففي رواية أنهم يقتلون الرجل الذي ينشر الخبر في عرفات . ولعل موت هذا الخليفة بعد موت عبد الله .
وفي النعماني / 262 : « عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا اختلفت بنو أمية وذهب ملكهم ، ثم يملك بنو العباس فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من العيش حتى يختلفوا فيما بينهم ، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم ، واختلف أهل المشرق وأهل المغرب ، نعم وأهل القبلة ، ويلقى الناس جهداً شديداً مما يمر بهم من الخوف فلا يزالون بتلك الحال حتى ينادي مناد من السماء ، فإذا نادى فالنفْر النفْر ، فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد وكتاب جديد وسلطان جديد من السماء . أما إنه لا تُردُّ له راية أبداً حتى يموت » .
وذكرت بعض الروايات أن سبب قتل ذلك الحاكم مسألة أخلاقية ، وأن الذي يقتله أحد خدمه ويهرب ! فعن الإمام الباقر عليه السلام : « يكون سبب موته أنه ينكح خصياً له ، فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوماً ، فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج حتى يذهب ملكهم » ! « كمال الدين / 655 ، والخرائج : 3 / 1160 » .
وعن علي عليه السلام « مختصر البصائر / 199 » : « ولذلك آيات وعلامات : أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق ، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتز ، القاتل والمقتول في النار » . فالرايات المتصارعة تتنازع حول المسجد الحرام في الحجاز ، وليس فيها راية هدى .
وفي غيبة الطوسي / 271 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم ، ثم قال : إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ، ولم يتناهَ هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله ، ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام ! فقلت : يطول ذلك ؟ قال : كلا » .
يصلح الله أمر المهدي عليه السلام في ليلة
ابن أبي شيبة : 15 / 197 ، بروايتين عن علي عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة » .
ومثله أحمد : 1 / 84 ، ونحوه ابن حماد : 1 / 362 ، وتاريخ بخاري : 1 / 317 عن علي عليه السلام ، وابن ماجة : 2 / 1367 ، كابن أبي شيبة ، عن علي عليه السلام ، وأبو يعلى : 1 / 359 ، عن ابن أبي شيبة ، وحلية الأولياء : 3 / 177 ، وأخبار إصبهان : 1 / 170 .
وقال الشافعي في البيان / 487 : وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض ، وإيداع الحفاظ ذلك في كتبهم يوجب القطع بصحته . ومال ابن كثير في الفتن : 1 / 38 ، إلى توثيقه .
وقال السيوطي في الدر المنثور : 6 / 58 : وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة . ورواه الجامع الصغير : 2 / 672 ، وحسنه . ومرقاة المفاتيح : 5 / 180 ، وفيه : من أهل البيت ، وقال : أي يصلح أمره ويرفع قدره في ليلة واحدة ، أو في ساعة واحدة من الليل ، حيث يتفق على خلافته أهل الحل والعقد فيها » . والمغربي / 533 ، وقال : « وهو حديث حسن كما قال الحفاظ ، وقد وهم بعضهم فظن أن ياسين هو ابن معاذ الزيات ، لأنه وقع في سنن ابن ماجة غير منسوب ، فحكم بضعفه بناء على وهمه ، وظنه أن ياسين هو الزيات لا العجلي ، أما العجلي فثقة » .
ورواه من مصادرنا : دلائل الإمامة / 247 ، عن علي عليه السلام كما في ابن أبي شيبة . وفي كمال الدين : 1 / 152 ، عن علي عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة ، وفي رواية أخرى : يصلحه الله في ليلة . فروي عن الصادق عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج ليقتبس لأهله ناراً ، فرجع إليهم وهو رسول نبي ، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى عليه السلام في ليلة ، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام ، يصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى ، ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور » .
أقول : اتضح لك أن معنى « يصلح الله أمره ، أو يصلحه في ليلة » أنه يهئ له أسباب نصره وأداء مهمته الكبرى ، وهذا يشمل تهيئة وضع الأمة والأوضاع العالمية ، ويشمل التسديد الرباني المتناسب مع مهمته ومقامه عليه السلام .
وقد اشتبه المعنى على بعضهم فتخيل أن المهدي عليه السلام لا يكون صالحاً قبل تلك الليلة فيتوب الله تعالى عليه فيها ! وهي سذاجة وتسطيح ، فقد أجمع المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله سماه « المهدي » وهو يدل على عصمته الكاملة وسُمُوِّ شخصيته ، بينما يجعله هذا التفسير العامي ضالاً فاسقاً إلى ليلة ظهوره !
يوم المهدي عليه السلام أحد أيام الله الثلاثة
تفسير القمي : 1 / 367 : « في قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ : قال : أيام الله ثلاثة : يوم القائم ، ويوم الموت ، ويوم القيامة » .
وفي مختصر البصائر / 18 : « عن موسى الحناط قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أيام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم عليه السلام ، ويوم الكَرة ، ويوم القيامة » .
وفي مشارق أنوار اليقين / 159 : « عن عمار ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : الغيب : يوم الرجعة ، ويوم القيامة ، ويوم القائم ، وهي أيام آل محمد ، وإليها الإشارة بقوله : وذكرهم بأيام الله ، فالرجعة لهم ، ويوم القيامة لهم ، ويوم القائم لهم ، وحكمه إليهم ، ومعول المؤمنين فيه عليهم » . ومن قوله : واليه الإشارة . . من كلام البرسي رحمه الله .
لقاء الإمام عليه السلام بأصحابه الأبرار
تواترت الأحاديث بأن الله تعالى يحضر له أصحابه من أنحاء العالم إلى مكة « قزعاً كقزع الخريف » ففي تفسير العياشي : 2 / 56 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال :
« يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ، وأشار إلى ناحية ذي طوى « من شعاب مكة » حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول : كم أنتم هاهنا ؟ فيقولون : نحو من أربعين رجلاً . فيقول : كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم ؟ فيقولون : والله لو يأوي بنا الجبال لأوينا معه !
ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم : أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشرة ، فيشيرون له إليهم فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم ، ويعدهم إلى الليلة التي تليها » .
وفي النعماني / 316 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن صاحب هذا الأمر محفوظةٌ له أصحابه ، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله بأصحابه ، وهم الذين قال فيهم الله عز وجل : فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِين . وهم الذين قال الله فيهم : فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ » .
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة ، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً ، يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه . قلت : جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً ؟ قال : الذي يسير في السحاب نهاراً » . « النعماني / 312 » .
أقول : معنى سيرهم في السحاب نهاراً أن الله تعالى ينقلهم إلى مكة بالسحاب على نحو الكرامة والإعجاز ، فلا يتاجون إلى وسائل سفر ولا جوازات سفر .
وفي دلائل الإمامة / 307 : « يجمعهم الله إلى مكة في ليلة واحدة وهي ليلة الجمعة ، فيتوافون في صبيحتها إلى المسجد الحرام ، لا يتخلف منهم رجل واحد » . وهذا يتفق مع إصلاح أمره عليه السلام في ليلة ، وأن ظهوره مساء يوم الجمعة تاسع محرم .
الحركة الاختبارية شهادة النفس الزكية
تكون القوى الفاعلة في مكة عند ظهور المهدي عليه السلام كما يفهم من الروايات : حكومة الحجازالتي تجمع قواها رغم ضعفها لمواجهة ظهوره الذي يتطلع إليه المسلمون من مكة ، ويشغلهم في موسم الحج وفي العالم .
والقوة الثانية : مخابرات جيش السفياني الذي يتعقب الفارين من قبضته من المدينة ، ويستطلع الوضع لدخول مكة في الوقت المناسب لضرب أي حركة منها .
والقوة الثالثة : مخابرات الدول الأجنبية التي تعمل لمساعدة حكومة الحجاز وقوات السفياني وترصد الوضع في الحجاز وفي مكة خاصة . كما يكون لليمانيين دور ، لأن قائدهم من أتباع الإمام عليه السلام ودولتهم على حدود الحجاز .
في مثل هذا الجو المعادي يبدأ الإمام المهدي أرواحنا فداه حركته من الحرم الشريف ويسيطر على مكة . ومن الطبيعي أن لا تذكر الروايات تفاصيل حركته ، عدا تلك التي تنفع في إنجاح الثورة المقدسة أو لاتضرّ بها .
وأبرز ما تذكره أنه عليه السلام يرسل شاباً من أصحابه وأرحامه ، في الثالث والعشرين أو الرابع والعشرين من ذي الحجة ، أي قبل ظهوره بخمسة عشر ليلة ، ليلقي بيانه في المسجد الحرام ، وما أن يقف بعد الصلاة ويقرأ رسالة الإمام عليه السلام أو فقرات منها ، حتى يثبوا إليه ويقتلوه بوحشية بين الركن والمقام !
ويكون لشهادته المفجعة أثر في الأرض وفي السماء ، وتكون شهادته حركة اختبارية ذات فوائد متعددة ، فهي تكشف للناس وحشية بقايا السلطة ، وتمهد لحركة المهدي عليه السلام التي لاتتأخرعنها أكثر من أسبوعين ، وقد تبعث التراخي في أجهزة السلطة بسبب هذا الإقدام الوحشي العجول .
وأخبار شهادة هذا الشاب الزكي متعددة في مصادر الفريقين ، وتسميه الغلام ، والنفس الزكية ، ويسميه بعضها محمد بن الحسن ، وتقدمت أحاديثه في فصل أصحاب المهدي عليه السلام . وفي رواية طويلة عن أبي بصيرعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « يقول القائم لأصحابه : يا قوم إن أهل مكة لايريدونني ، ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم . فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له : إمض إلى أهل مكة فقل : يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم ، وهو يقول لكم : إنا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة ، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين ، وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا ، وابتُزَّ منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا ، فنحن نستنصركم فانصرونا ، فإذا تكلم الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام وهي النفس الزكية .
فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه : أما أخبرتكم أن أهل مكة لايريدوننا ! فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً ، عدة أهل بدر ، حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي عند مقام إبراهيم عليه السلام أربع ركعات ، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ، ثم يحمد الله ويثني عليه ، ويذكر النبي ويصلي عليه ، ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس » .
وطُوى : أحد مداخل مكة ، وما ورد فيها عن النفس الزكية قوي في نفسه ، لكن المرجح عندي أن الإمام عليه السلام وأصحابه يدخلون المسجد الحرام فرادى .
يظهر الإمام عليه السلام في وتر من السنين
في النعماني / 262 : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « يقوم القائم عليه السلام في وتر من السنين : تسع ، واحدة ، ثلاث ، خمس » .
وفي الإرشاد / 361 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين ، سنة إحدى ، أو ثلاث ، أو خمس ، أو سبع ، أو تسع » .
وفي غيبة الطوسي / 374 ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين ، تسع ، وثلاث ، وخمس ، وإحدى » .
وروضة الواعظين : 2 / 263 ، وإعلام الورى / 429 ، والخرائج : 3 / 1161 ، ومنتخب الأنوار / 35 ، والعدد / 76 ، وأخبار الدول / 118 ، وإثبات الهداة : 3 / 514 .
بداية ظهوره يوم عليه السلام الجمعة تاسع محرم
الخصال : 2 / 394 : « عن محمد بن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : السبت لنا ، والأحد لشيعتنا ، والاثنين لأعدائنا ، والثلاثاء لبني أمية ، والأربعاء يوم شرب الدواء ، والخميس تقضى فيه الحوائج ، والجمعة للتنظف والتطيب ، وهو عيد المسلمين ، وهو أفضل من الفطر والأضحى ، ويوم الغدير أفضل الأعياد ، وهو ثامن عشر من ذي الحجة وكان يوم الجمعة ، ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة ، وتقوم القيامة يوم الجمعة ، وما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمد وآله » .
وتقدم في حديث راية النبي صلى الله عليه وآله عن الإمام الباقر عليه السلام : « فيهبط من عقبة طوى في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر حتى يأتي المسجد الحرام . . ويبايعه الثلاث مائة وثلاثة عشر وقليل من أهل مكة . ثم يخرج من مكة حتى يكون في مثل الحلقة قلت : وما الحلقة ؟ قال : عشرة آلاف رجل ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله » .
يظهر عليه السلام يوم عاشوراء يوم سبت
في كمال الدين : 2 / 653 : « عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : يخرج القائم عليه السلام يوم السبت يوم عاشوراء ، اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام » .
وفي الإرشاد / 361 : « عن أبي بصير : قال أبو عبد الله عليه السلام : ينادى باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليه السلام . لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام ، جبرئيل عليه السلام عن يمينه ينادي البيعة لله ، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتى يبايعوه ، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
وفي غيبة الطوسي / 274 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام ، بين يديه جبرئيل ينادي : البيعة لله ، فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » . والنعماني / 282 ، ونحوه التهذيب : 4 / 333 ، وروضة الواعظين / 263 ، وإعلام الورى / 430 وملاحم ابن طاووس / 194 ، وكشف الغمة : 3 / 252 ، و 324 . والعدد القوية / 65 ، والبحار : 52 / 285 وفي / 290 ، والفصول المهمة / 302 ، وفيه : وشخص قائم على يده ينادي البيعة البيعة . . ثم يسير من مكة حتى يأتي الكوفة . . فيصير إليه أنصاره فينزل نجفها ، ثم يفرق الجنود منها إلى الأمصار .
فيكون أول ظهوره عليه السلام يوم الجمعة حيث يسيطر على مكة ، ثم يظهر يوم السبت يوم عاشوراء ويعلن بيانه إلى العالم .
أقول : روى في التهذيب : 4 / 300 : « عن كثير النوا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لزقت السفينة يوم عاشورا على الجودي فأمر نوح عليه السلام من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم . وقال أبو جعفر عليه السلام : أتدرون ما هذا اليوم ؟ هذا اليوم الذي تاب الله عز وجل فيه على آدم وحوا عليه السلام ، وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه ، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليه السلام فرعون ، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام ، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس عليه السلام ، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم عليه السلام ، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه السلام » .
لكن نفى الصدوق في أماليه / 127 ما تضمنته هذه الرواية لأنها من مقولات العامة .
رواية أن يوم عاشوراء يصادف يوم النوروز
روى في المهذب البارع : 1 / 194 : « عن المعلى بن خنيس ، عن الإمام الصادق عليه السلام رواية عن يوم النوروز جاء فيها : وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر ، ويظفره الله تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة ، وما من يوم نوروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج ، لأنه من أيامنا ، حفظه الفرس وضيعتموه » .
تواتر عن أهل البيت عليهم السلام أن يوم ظهوره عليه السلام يوم عاشوراء ، وفي عدد منها يوم سبت ، ويفهم من بعضها أنه يكون في الصيف ، فلا يصادف يوم النوروز الذي هو في آذار في أول الربيع .
بيان الإمام الأول إلى أهل مكة
ذكرت الروايات فقرات من خطبته عليه السلام ، أو بيانه الأول الذي يلقيه على أهل مكة ، مساء يوم الجمعة ، وبيانه الثاني الذي يوجهه صبيحة اليوم التالي إلى المسلمين والعالم . من ذلك ما رواه ابن حماد : 1 / 345 ، قال : « حدثنا سعيد أبو عثمان ، عن جابر عن أبي جعفر قال : ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان ، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول : أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم ، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب ، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً ، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله ، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات وتكونوا أعواناً على الهدى ووزراً على التقوى ، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بالوداع . فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء سنته .
فيظهر في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، عدة أهل بدر على غير ميعاد ، قزعاً كقزع الخريف ، رهبان بالليل أسد بالنهار ، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم ، وتنزل الرايات السود الكوفة ، فتبعث بالبيعة إلى المهدي ، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق ، ويميت الجور وأهله ، وتستقيم له البلدان ويفتح الله على يديه القسطنطينية » .
وقَزَع الخريف : غيومه وتكون متفرقة ثم تجتمع ، شبه بها تجمع أصحاب المهدي عليه السلام ، كما في نهج البلاغة خطبة رقم 166 ، ولا بد أنه أخذه من النبي صلى الله عليه وآله . ولعل ظهوره عليه السلام وتجمع أصحابه في فصل الخريف ، أو آخر الصيف .
وذكرت بعض الروايات أن رجلاً من أصحابه عليه السلام يقف أولاً في المسجد الحرام فيعرِّفُه للناس ويدعوهم إلى إجابته ، ثم يأتي هو عليه السلام ويلقي خطبته . ففي بحار الأنوار : 52 / 305 : « وروى السيد علي بن عبد الحميد بإسناده عن ابن محبوب رفعه إلى أبي جعفر عليه السلام قال : إذا خسف بجيش السفياني . . إلى أن قال : والقائم يومئذ بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول :
أنا ولي الله ، أنا أولى بالله وبمحمد صلى الله عليه وآله ، فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم ، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح . ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم .
ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد . ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين . إن الله تعالى يقول : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . فأنا بقيةٌ آدم ، وخيرةُ نوح ، ومصطفى إبراهيم وصفوةُ محمد .
ألا ومن حاجني في كتاب الله ، فأنا أولى الناس بكتاب الله .
ألا ومن حاجني في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله وسيرته .
وأنشد الله من سمع كلامي لما يبلغ الشاهد الغائب .
فيجمع الله له أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، فيجمعهم الله على غير ميعاد قزع كقزع الخريف ثم تلا هذه الآية : أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ، فيبايعونه بين الركن والمقام ، ومعه عهد رسول الله صلى الله عليه وآله قد تواترت عليه الآباء فان أشكل عليهم من ذلك شئ فإن الصوت من السماء لايشكل عليهم ، إذا نودي باسمه واسم أبيه » .
وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إن القائم ينتظر من يومه ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، حتى يسند ظهره إلى الحجر ويهز الراية المغلبة .
وبالإسناد المذكور يرفعه إلى علي بن الحسين عليه السلام في ذكر القائم عليه السلام في خبر طويل قال : « فيجلس عليه السلام تحت شجرة سمرة فيجيئه جبرئيل عليه السلام في صورة رجل من كلب ، فيقول : يا عبد الله ما يجلسك ههنا ؟ فيقول : يا عبد الله إني أنتظرأن يأتيني العشاء فأخرج في دبره إلى مكة ، وأكره أن أخرج في هذا الحر ، قال : فيضحك فإذا ضحك عرفه أنه جبرئيل ، قال : فيأخذ بيده ويصافحه ويسلم عليه ويقول له : قم ، ويجيئه بفرس يقال له البراق فيركبه ثم يأتي إلى جبل رضوى ، فيأتي محمد وعلي فيكتبان له عهداً منشوراً يقرؤه على الناس ، ثم يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها ، قال : فيقوم رجل منه فينادي : أيها الناس هذا طلبتكم قد جاءكم ، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فيقومون ، قال : فيقوم هو بنفسه فيقول : أيها الناس أنا فلان بن فلان أنا ابن نبي الله ، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله ، فيقومون إليه ليقتلوه فيقوم ثلاث مائة ونيف على الثلاث مائة فيمنعونه ، منهم خمسون من أهل الكوفة ، وسائرهم من أفناء الناس ، لا يعرف بعضهم بعضاً ، اجتمعوا على غير ميعاد » .
أقول : إذا صحت الرواية فهي معجزة للإمام المهدي عليه السلام حيث يلتقي بجده في جبل رضوى ، وكأنه مطار لمن ينزل من السماء . وتدل روايات ظهوره عليه السلام على شوق المسلمين إليه وبحثهم عنه ، وخوفهم من إرهاب أعدائه ، الذين يبطشونه برسوله بوحشية مع أنه رسول ، ويستمر ذلك الخوف حتى يدخل الجيش اليمني .
وفي ذلك الجو لابد أن يكون الإمام عليه السلام قد أعد عدته بالأسباب الطبيعية ، وأن يكون أنصاره اليمانيون سيطروا على الحرم الشريف وعلى مكة ، لأنهم القوة الموالية للإمام التي يجب أن تمسك بزمام الأمر في مكة . ولا تذكر الروايات حدوث معركة أو قتل في المسجد الحرام ولا في مكة .
وكنت سمعت بعض العلماء أن أصحاب المهدي عليه السلام يقتلون إمام المسجد الحرام في تلك الليلة ، لكن غاية ما وجدته ما نقله صاحب إلزام الناصب رحمه الله في : 2 / 166 ، عن بعض العلماء قال : « وفي اليوم العاشرمن المحرم يخرج الحجة يدخل المسجد الحرام يسوق أمامه عنيزات ثمان عجاف « ثماني عجافاً » ويقتل خطيبهم ، فإذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة ، فإذا جنه الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة ونادى أصحابه الثلاث مائة وثلاثة عشر ، فيجتمعون عنده من مشرق الأرض ومغربها ، فيصبح يوم السبت ويدعو الناس إلى بيعته » . انتهى . ولكنه نصٌّ عامي المتن غير مسند ، لهذا نرجح أن حركة ظهوره عليه السلام تستفيد من الرعب في قلوب أعدائه ، ومن الخطة المتقنة للسيطرة على مكة بدون سفك دماء . فهذا أمرٌ مقصودٌ منه عليه السلام قصداً ، لحفظ حرمة المسجد الحرام وقدسيته .
وفي تلك الليلة المباركة تتنفس مكة الصعداء ، وترفُّ عليها راية الإمام المهدي الموعود صلوات الله عليه ، وتشعُّ منها أنواره إلى أرجاء العالم . بينما يبذل الأعداء وإعلامهم العالمي غاية جهدهم للتعتيم على حركته المقدسة ، ثم يصورونها بعد ظهور خبرها بأنها حركة أحد المتطرفين المدعين للمهدية ، ويحركون قوات السفياني فتتوجه من المدينة إلى مكة .
وفي اليوم التالي لظهوره عليه السلام وهو يوم عاشوراء يوم سبت ، في الرواية ، يخاطب الإمام عليه السلام شعوب العالم بلغاتها ، ويطلب منهم النصرة على الكافرين والظالمين .
بيان الإمام عليه السلام العالمي يوم عاشوراء
روت مصادر الشيعة والسنة فقرات من خطبته عليه السلام وبيانه إلى العالم ، وتقدمت رواية فيه ، وروى العياشي : 2 / 56 : « عن عبد الأعلى الحلبي قال : قال أبو جعفر عليه السلام : والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثم ينشد الله حقه ، ثم يقول : يا أيها الناس من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ، ومن يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم ، يا أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح ، يا أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم ، يا أيها الناس من يحاجني في موسى فأنا أولى الناس بموسى ، يا أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى ، يا أيها الناس من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله . يا أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله . ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين ، ثم ينشد الله حقه .
قال أبو جعفر عليه السلام : هو والله المضطر في كتاب الله وهو قول الله : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض ، وجبرئيل على الميزاب في صورة طاير أبيض ، فيكون أول خلق الله يبايعه جبرئيل ، ويبايعه الثلاث مائة والبضعة عشر رجلاً . قال : قال أبو جعفر عليه السلام : فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة ، ومن لم يبتل بالمسير فُقِدَ عن فراشه . ثم قال : هو والله قول علي بن أبي طالب عليه السلام : المفقودون عن فرشهم ، وهو قول الله : فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ، أصحاب القائم الثلاث مأة وبضعة عشر رجلاً ، قال : هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ . قال : يجمعون في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف ، فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فيجيبه نفر يسير ويستعمل على مكة ، ثم يسير فيبلغه أن قد قتل عامله » .
وتقدمت رواية الإختصاص / 255 ، وغيبة الطوسي / 269 ، في الخسف بجيش السفياني ، وفيها قوله عليه السلام : يا أيها الناس : إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس ، وإنا أهل بيت نبيكم محمد صلى الله عليه وآله ونحن أولى الناس بمحمد ، فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح ومصطفىً من إبراهيم وصفوةٌ من محمد . ألا ومن حاجني في سنة رسول الله ، فأنا أولى الناس بسنة رسول الله . فيجمع الله عليه أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر ، يجمعهم على غير ميعاد فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء » .
ولك أن تقدر كيف سيهتز العالم لهذا الحدث الضخم المفاجئ ! وكيف ستفرح الشعوب الإسلامية المضطهدة ، وتعبر عن فرحتها بقائدها الموعود ، بمظاهرات ملايينها التي تهتف باسمه وتعلن استعدادها لنصرته .
يمكث الإمام عليه السلام في مكة طويلاً ثم يسير إلى المدينة
في البحار : 52 / 308 : « يخرج إلى المدينة فيقيم بها ما شاء ، ثم يخرج إلى الكوفة » .
وفي غيبة الطوسي / 284 : « فيقيم ما شاء الله أن يقيم » . والروايات عن مدة بقائه عليه السلام في مكة وعمله فيها قليلة ، ولا بد أن يكون من أول أعماله عليه السلام مخاطبة الشعوب الإسلامية والعالم ، وإعلان مشروعه العالمي .
وتذكر إحدى الروايات أنه يقيم الحد على سراق الكعبة الشريفة ، والمقصود بهم الحكام السراق !
ويبقى مدة في مكة ينتظر المعجزة الموعودة من جده النبي صلى الله عليه وآله وهي الخسف بالجيش الذي يقصده . فإذا وقعت الآية وخسف بجيش السفياني ، تحرك الإمام عليه السلام من مكة ومر في طريقه على مكان الخسف ووقف عنده .
ففي تفسير العياشي رحمه الله : 2 / 261 : « عن الإمام الباقر عليه السلام ، من حديث قال : « فالزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك « إلزم الأئمة المعصومين عليهم السلام وإياك من الثائرين باسمهم » فإذا خرج رجل منهم معه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً ، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله عامداً إلى المدينة حتى يمرَّ بالبيداء حتى يقول : هذا مكان القوم الذين خسف بهم ، وهي الآية التي قال الله : أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لايَشْعُرُونَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ » . . . الخ .
وذكرت بعض الروايات أن جيش السفياني يدخل المدينة في رمضان ، والإمام عليه السلام يظهرفي محرم ، فتكون حركة جيش الخسف إلى مكة في ربيع الأول أو الثاني ، وتكون حركة الإمام عليه السلام إلى المدينة بعد ذلك بأيام ، ولعلها في أوائل شهرربيع الأول ، وهو ابتداء إمامته عليه السلام ، ويعرف يوم التاسع منه بيوم فرحة الزهراء عليها السلام !
وتذكر الروايات أنه عليه السلام يعين والياً على مكة ، ويتوجه إلى المدينة بعشرة آلاف من جيشه ، أو خمسة عشر ألفاً ، فعن الإمام الصادق عليه السلام : « ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس ، ثم يسير منها إلى المدينة » . « الإرشاد / 363 » . وعنه عليه السلام : « وما يخرج إلا في أولي قوة ، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف » . « كمال الدين : 2 / 654
وفي تهذيب ابن عساكر « 4 / 538 » وغيره : « عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يوشك أن يرسل على أهل الشام سيْبٌ من السماء فيغرق جماعتهم ، حتى لو قاتلهم الثعالب غلبتهم ، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات ، المكثر يقول : هم خمسة عشرألفاً والمقل يقول هم اثنا عشر ألفاً ، أمارتهم : أمِتْ أمتْ ، يأتون بسبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعاً ، ويرد الله إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم ، وقاصيهم ودانيهم » .
وذكرت أحاديث أن أهل مكة ينقلبون على الإمام عليه السلام بعد مسيره إلى المدينة ، ويقتلون عامله فيرجع إليهم !
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله ويستعمل على مكة ، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل ، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك » .
وفي البحار : 53 / 11 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : يدعوهم « أهل مكة » بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه ، ويستخلف عليهم رجلاً من أهل بيته ويخرج يريد المدينة ، فإذا سار منها وثبوا عليه ، فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون ، ويقولون : يا مهدي آل محمد التوبة التوبة ! فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ، ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير » . ومعنى وثبوا عليه : خلعوا طاعته أو قتلوه . ويأتي أن أهل المدينة يفعلون مثله !
وروى في الكافي : 8 / 224 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « ويهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السلام إلى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر ، ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق ، ويبعث جيشاً إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها » . وهي تدل على أنه عليه السلام يرسل جيشاً إلى المدينة قبل دخوله إليها ، ولعله بعد الخسف بجيش السفياني مباشرة .
ماذا يفعل الإمام عليه السلام في المدينة ؟
تذكر الروايات أن الإمام عليه السلام يخوض معركتين في المدينة المنورة ، على عكس الأمر في مكة . فعن الإمام الباقر عليه السلام في حديث طويل : « يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش ، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السلام : والله لودَّتْ قريش أن لي عندها موقفاً واحداً جزرَ جزور ، بكل ماملكته وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت .
ثم يُحدث حدثاً ، فإذا هو فعل ذلك ، قالت قريش : أخرجوا بنا إلى هذا الطاغية ، فوالله أن لو كان محمدياً ما فعل ، ولو كان علوياً ما فعل ، ولو كان فاطمياً ما فعل ، فيمنحه الله أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية .
ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله ، فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة إليها بشئ ! ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله » . « العياشي : 2 / 56 » .
فهذه الرواية تذكر معركتين في المدينة : الأولى ، بعد الحدث الذي يحدثه فيها فتنكره قريش ، ويبدو أنه يتعلق بهدم مسجد النبي صلى الله عليه وآله وقبره الشريف وإعادة بنائهما ، فيتخذ أعداؤه ذلك ذريعة لتحريك الناس عليه وقتاله ، فيقاتلهم ويقتل منهم مئات كما في بعض الروايات . عندها يتمنى القرشيون أتباع الخلافة لو أن علياً عليه السلام كان حاضراً ولو بقدر جزر جزور ، أي بقدر ذبح ناقة ، ليردَّ عنهم انتقام المهدي عليه السلام منهم ، لأن سياسة أمير المؤمنين عليه السلام فيهم كانت الحلم والعفو .
والمعركة الثانية ، بعد أن يسيطر على المدينة ويعين عليها حاكماً ، ويخرج متوجهاً إلى العراق وينزل « هو أو قائد جيشه » في منطقة الشقرة أو الشقرات ، وهي في الحجاز في الطريق إلى العراق ، فيخلع أهل المدينة الطاعة وينقلبون على واليه مرة أخرى ويقتلونه ، فيرجع إليهم الإمام عليه السلام ويقتل منهم أكثر مما قتل منهم الجيش الأموي في وقعة الحرة المشهورة ، ويخضع المدينة مجدداً لسلطته . وعدد قتلى الحرة بضعة عشر ألفاً في ثورتهم على يزيد بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام ، والتشبيه بها هنا من حيث كثرة القتلى فقط لأن الإمام عليه السلام مهدي من ربه ولا ظلم عنده .
يطرح الإمام المهدي عليه السلام في المدينة قضية أبي بكر وعمر
تدل أحاديث أهل البيت عليهم السلام على أن الإمام المهدي عليه السلام يطرح في المدينة موقفه من أبي بكر وعمر ، ويعلن للمسلمين أنهما اتفقا مع الطلقاء على معصية النبي صلى الله عليه وآله في علي والعترة الطاهرة عليهم السلام ، وأخذوا منهم الخلافة وأجبروهم على بيعتهم ، فوضعوا الأمة في بحرصراع على السلطة ولم يسمعوا لتحذير النبي وحرموا الأمة من قيادة أهل البيت عليهم السلام الفريدة !
كما يطرح الإمام عليه السلام موضوع دفنهما في بيت النبي صلى الله عليه وآله ويعيد بناء المسجد النبوي الشريف ويفصل قبرهما عنه . . الخ .
ومن الطبيعي أن يسبب موقفه غضب كثير من أتباعهما في أرجاء العالم الإسلامي ، ويندم كثر ممن كانوا خرجوا في تظاهرات مؤيدة له ! لكن الإمام لا يعبأ بتأييد المؤيدين ولا بنقمة الناقمين ، ولا يهمه رضا أحد أو غضبه غير الله تعالى ، لأن التقية تنتهي بظهوره المقدس ، ولا تقية عنده مع أحد !
ومن الطبيعي أن يشغل هذا الموضوع العالم مدة ، ويكون حاداً في أسابيعه الأولى ، وأن يستعمل الإمام عليه السلام وسائل إقناع علمية وإعجازية ، وقد يكون منها مشاهد مصورة من التاريخ وسيرة النبي صلى الله عليه وآله ، بما علمه الله ويعرضها على العالم .
وقد تقدم في الرواية الصحيحة في فصل أصحابه عليه السلام ، من تفسير العياشي : 2 / 56 ، وبقية المصادر عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فيجيبه نفر يسير ويستعمل على مكة ثم يسير ، فيبلغه أن قد قتل عامله فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد على ذلك شيئاً يعني السبي ، ثم ينطلق فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه وآله السلام ، والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة من عدوه ولا يسمي أحداً . . ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش ، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السلام : والله لودت قريش أن لي عندها موقفاً واحداً جزر جزور بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت !
ثم يُحدث حدثاً ، فإذا هو فعل ذلك قالت قريش : أخرجوا بنا إلى هذه الطاغية ، فوالله أن لو كان محمدياً ما فعل ، ولو كان علوياً ما فعل ، ولو كان فاطمياً ما فعل ! فيمنحه الله أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية ! ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلواعامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة إليها بشئ ! ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة من عدوه ، حتى إذا بلغ إلى الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ، ما خلا صاحب هذا الأمر ، فيقول : يا هذا ما تصنع ! فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم ، أفبعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله أم بماذا ؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة : والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك ، فيقول له القائم عليه السلام : أسكت يا فلان ، إي والله إن معي عهداً من رسول الله صلى الله عليه وآله ، هات لي يا فلان العيبة أو الطيبة أو الزنفليجة ، فيأتيه بها فيُقرؤه العهد من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيقول : جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله ، فيعطيه رأسه فيقبله بين عينيه ، ثم يقول : جعلني الله فداك جدد لنا بيعة ، فيجدد لهم بيعة » .
أقول : هذا الحديث وأمثاله يدل على أن عمله عليه السلام يكون صدمة لموروثات كثيرين ، وهزةً لوعي المؤمنين . وقد يكون هذا المعترض من أصحابه الخاصين وقع في قلبه شك ، أو يكون أشكل على الإمام عليه السلام ليفهم غيره ويُخرج الإمام عليه السلام العهد المعهود عنده من النبي صلى الله عليه وآله الذي يأمره فيه بإعلان موقفه من أبي بكر وعمر .
وفي كمال الدين : 2 / 377 : « عن عبد العظيم الحسني عن الإمام الجواد عليه السلام قال : ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر : ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض ، وذلك قول الله عز وجل : أينَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إنَّ اللهَ على كلِّ شئ قدير ، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل ، قال عبد العظيم : فقلت له : يا سيدي وكيف يعلم أن الله عز وجل قد رضي ؟ قال : يلقي في قلبه الرحمة ، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما » .
وإن صح هذا الحديث فمعنى إحراقه اللات والعزى أنه يعلن التوحيد الخالص ويمنع عبادة المسلمين لشخصياتهم التي لم ينزل بها الله سلطاناً ، واتخاذهم إياهم أنداداً من دون الله ، كما قال الله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيد الْعَذَابِ » .
ردة فعل النواصب والبترية على عمل الإمام عليه السلام
البترية حركة في العراق يقول أصحابها إنا نتولى أهل البيت عليهم السلام وظالميهم معاً ، ويتخذون من الإمام موقفاً معادياً عليه السلام لموقفه في المدينة لأنه أعلن البراءة من أبي بكر وعمر ، ويحاولون منعه من الدخول إلى العراق ، لكن الجو العام يكون معه ! ففي دلائل الإمامة / 241 ، عن الإمام الباقر عليه السلام عن أبي الجارود من حديث : « ثم يبايعه من الناس ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، ثم يسير إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى الله عز وجل ، فيقتل ألفاً وخمس مائة قرشي ليس فيهم إلا فرخ زنية . . . ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين في السلاح ، قراء القرآن فقهاء في الدين ، قد قرحوا جباههم وشمَّروا ثيابهم وعمهم النفاق ، وكلهم يقولون : يا ابن فاطمة إرجع لا حاجة لنا فيك ! فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء ، فيقتلهم أسرع من جزر جزور ، فلا يفوت منهم رجل ، ولايصاب من أصحابه أح د ، دماؤهم قربانٌ إلى الله . ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله .
قال : فلم أعقل المعنى ، فمكثت قليلاً ثم قلت : وما يدريه جعلت فداك متى يرضى الله عز وجل ؟ قال : يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى ، وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل ، فعقلت المذهب . فقال لي : أعقلت المذهب ؟ قلت : نعم » .
وبهذا تعرف أن البترية هم أول الخوارج على الإمام عليه السلام في العراق ، وأول من سماهم بذلك زيد بن علي رحمه الله قال لهم : « أتتبرؤون من فاطمة عليها السلام ، بترتم أمرنا ، بتركم الله » ! ومقصوده أن الولاية والبراءة معاً . « الفقيه : 4 / 445 » .