كيف خلق الله الخلق
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص248-250.
2025-05-28
522
كيف خلق الله الخلق
قال تعالى : {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } [يونس: 74 - 78].
الجواب / قال أبو جعفر عليه السّلام : « إن اللّه عزّ وجلّ خلق الخلق ، فخلق من أحبّ مما أحبّ ، وكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة . وخلق من أبغض مما أبغض ، وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ، ثم بعثهم في الظّلال » .
فقلت : وأيّ شيء الظّلال ؟ فقال : « ألم تر إلى ظلّك في الشّمس شيئا وليس بشيء ؟ ثمّ بعث منهم النبيّين ، فدعوهم إلى الإقرار باللّه عزّ وجلّ ، وهو قوله عزّ وجلّ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [الزخرف : 87] ، ثم دعوهم إلى الإقرار بالنبيّين ، فأقرّ بعض وأنكر بعض ، ثم دعوهم إلى ولايتنا ، فأقرّ بها واللّه من أحبّ ، وأنكرها من أبغض . وهو قوله : فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ » . ثم قال : أبو جعفر عليه السّلام : « كان التّكذيب ثمّ « 1 » » « 2».
وعن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليه السّلام ، قالا : إن اللّه خلق الخلق وهي أظلّة ، فأرسل رسوله محمّدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فمنهم من آمن به ، ومنهم من كذّبه ، ثم بعثه في الخلق الآخر فآمن به من كان آمن به في الأظلّة ، وجحده من جحد به يومئذ ، فقال : فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ » « 3 ».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام ، في قوله : ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ إلى قوله بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ، قال : « بعث اللّه الرسل إلى الخلق وهم في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء ، فمن صدّق حينئذ صدّق بعد ذلك » « 4 ».
وقال الشيخ الطبرسيّ ( رحمه اللّه تعالى ) : ثم بين سبحانه قصة من بعثه بعد نوح ، فقال : ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ أي : من بعد نوح ، وإهلاك قومه رُسُلًا يريد إبراهيم ، وهودا ، وصالحا ، ولوطا ، وشعيبا إِلى قَوْمِهِمْ الذين كانوا فيهم بعد أن تناسلوا ، وكثروا فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي : فأتوهم بالبراهين والمعجزات الدالة على صدقهم ، الشاهدة بنبوتهم فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ أي لم يكونوا ليصدقوا ، يعني أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل ، بما كذبت به أوائلهم الذين هم قوم نوح أي : كانوا مثلهم في الكفر والعتو . وقيل : معناه لم يكن منهم من يؤمن من بعد هذه الآيات بما كذبوا به من قبلها ، بل كانت الحالتان سواء عندهم قبل البينات وبعدها . . .
كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ أي : نجعل على قلوب الظالمين لنفوسهم ، الذين تعدوا حدود اللّه ، سمة وعلامة على كفرهم ، يلزمهم الذم بها ، ويعرفهم بها الملائكة ، كما فعلنا ذلك بقلوب هؤلاء الكفار. وقد مر معاني الطبع والختم فيما تقدم ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي : من الرسل ، أو من بعد الأمم مُوسى وَهارُونَ عليه السّلام نبيين مرسلين إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ أي : ورؤساء قومه بِآياتِنا أي : بأدلتنا ومعجزاتنا فَاسْتَكْبَرُوا عن الانقياد لها ، والإيمان بها وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ عاصين لربهم ، مستحقين للعقاب الدائم فَلَمَّا جاءَهُمُ أي : جاء قوم فرعون الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا يعني : ما أتى به موسى من المعجزات والبراهين قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ أي : ظاهر .
قالَ مُوسى لهم أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَ سِحْرٌ هذا أي :
أتقولون لمعجزاته سحر ، والسحر باطل ، والمعجز حق ، وهما متضادان وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ أي : لا يظفرون بحجة ، ولا يأتون على ما يدعونه بينة ، وإنما هو تمويه على الضعفة
قالُوا يعني قال فرعون وقومه لموسى :
أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أي لتصرفنا عن ذلك وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ أي : الملك . . . وقيل : العظمة والسلطان ، والأصل أن الكبرياء :
استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب فِي الْأَرْضِ أي : في أرض مصر .
وقيل : أراد اسم الجنس ، والمراد به الإنكار ، وإن كان اللفظ لفظ الاستفهام ، تعلقوا بالشبهة في أنهم على رأي آبائهم ، وإن من دعاهم إلى خلافه ، فظاهر أمره أنه يريد التآمر عليهم فلم يطيعوه وما نحن لكما بمؤمنين أي : بمصدقين فيما تدعيانه من النبوة « 5 ».
_____________
( 1) ثمّ هنا : ظرف لا يتصرّف ، بمعنى هنالك .
( 2 ) الكافي : ج 2 ، ص 8 ، ح 3 . علل الشرائع : ص 118 ، ح 3 .
( 3 ) تفسير العياشيّ : ج 2 ، ص 126 ، ح 35 .
( 4 ) تفسير العياشيّ : ج 2 ، ص 126 ، ح 36 .
( 5 ) مجمع البيان : ج 5 ، ص 213 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة