أصل المغول
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ص 22 ــ 26
2025-05-27
865
يحيط الغموض بالتاريخ المبكر للمغول، والمعروف بأن هذه اللفظة مشتقة مونغ الصينية، وهي بمعنى باسل وشجاع وقد وردت أول إشارة عابرة عنهم في تاريخ أسرة تانغ الصينية منذ عام (60هـ/ 680م)، وفي مصادر متفرقة عند الإشارة إلى أحداث عام 374هـ / 984م، ويتضح منها أنه لم يكن لهم سوى تأثير ضئيل في السياسة الدولية وبدأت شهرتهم في الظهور مع فاتحة القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي وكانت مضاربهم في الهضبة المعروفة باسم هضبة منغوليا شمالي صحراء جوبي، وهي أرض واسعة تنعدم المياه في بعض نواحيها. وعاشوا على روافد نهر عامور، واحتلوا الأراضي الواقعة بين بحيرة بايكال في الغرب وجبال كنجان على حدود منشوريا في الشرق (1).
وسبق خضوع عالم البدو المشوّش لإرادة جنكيز خان، عدة محاولات تمهيدية لتوحيد القبائل المغولية، غير أنها لم تفلح. فمنذ القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، تحرَّر المغول من الوصاية التركية بفضل تغلب القراخطاي على الأتراك القيرغيز التي فُرضت عليهم منذ سقوط
الجوان جوان في منغوليا، أضف إلى ذلك أن تأسيس دولة القراخطاي، في الربع الأول من القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، قد مثل سلفاً، على الرغم من ضعف زعمائها موجة الغزوات البدوية الظافرة قبل مائة عام من حصولها. فهي الامبراطورية المغولية الأولى التي قامت بعيداً عن مواطنها الأصلية، ولكن كانت قبائل مختلفة ما تزال تتنازع على البلاد المغولية آنذاك ضمن رقعة غير محددة تماماً مثل الكرايت (2) والنايمان (3)، وارتسمت عند هؤلاء البدو الرحل تأخراً في منغوليا الداخلية، فقامت بعض محاولات التوحيد على أيدي جدود جنكيز خان.
إن جد المغول الذي ينتمي إليهم جنكيز خان هو بودانستار أوبوزنجر، اشتهر بالجرأة، واستطاع أن يُخضع قبيلة تعيش في الجهات المجاورة لمنازله على الشاطئ الشرقي لبحيرة بايكال (4)، وخلفه بعد وفاته ابنه قايدو، وكان طرازاً فريداً القادة من في ذلك الوقت فاستقطب القبائل المجاورة في خطوة للاتحاد والتوسع على الأرض والتفت حوله عشيرته البوريجين، والتمست حمايته، فتزايد بذلك عدد رعاياه واتخذ لقب ،خان أي ملك، وأسس الدولة المغولية الأولى، وبنى المدن على ضفاف نهر أونون، وربطها بجسر فوق هذا النهر، ويُعد المؤسس الحقيقي لقوة المغول، وعندما توفي كان له ثلاثة أولاد هم بايسنقر، الذي خلفه على زعامة المغول، وهو جد أسرة قيات التي ينتمي إليها جنكيز خان، وجوجين، وأوروكي. وعندما توفي بايسنقر خلفه ابنه تومنة خان الذي أنجب كابل خان وقد خلفه على عرش المغول، وهو جنكيز خان.
دخل المغول في عهد كابل خان في غمرة السياسة العالمية، بعد أن كانت آفاقهم السياسية لا تتعدى جبل كنتي فأضحوا قوة لا يُستهان بها، وأخذ بلاط الصين في بكين يحسب حسابهم، فدعاه الامبراطور الصيني لزيارته. والواقع أن أسرة كين التي تحكم شمالي الصين (498 - 658هـ/ 1105 - 1260م) عمدت إلى مد يد الصداقة لكابل خان الذي تجمعت حوله قبائل كنتي؛ لتأمين ظهرها ضد الخطر المغولي المنطلق من منغوليا والذي أضحى مصدراً من مصادر التهديد لسلطتها (5). وبلغت الملكية الأولى للمغول ذروتها في عهده، وبخاصة بعد أن توطدت علاقة الصداقة بينه وبين أسرة كين (6)، غير أن هذه العلاقة الطيبة بين الطرفين لم تستمر طويلاً بفعل تقلبات السياسة الصينية التي جهدت على الدوام في تحريض مجموعة من الرُّحل ضد أخرى بدا لها أنها أكثر خطورة، ولكنها لا تلبث أن تجد نفسها مضطرة عند انتهاء النزاع، إلى انتهاج الأسلوب نفسه ضد حلفائها بالأمس، وسرعان ما تحوّلت هذه العلاقة إلى عداء وحرب. وحلت الهزيمة بالجيش الصيني في عام (533هـ/ 1139م)، ويُعد هذا التاريخ بداية لنهوض المغول (7). وعُقد الصلح بين الجانبين في عام (542 هـ / 1147م، واضطر الصينيون للتنازل للمغول عن عدة مقاطعات حدودية وشرع الامبراطور الصيني في إرسال الهدايا للقبائل المغولية من المواشي والأغنام والحبوب وذلك بمثابة جزية لتأمين السلم على الحدود بين البلدين.
وبدأت أسرة كين، التي تسيطر على منشوريا وشمالي الصين، تشعر بضغط المغول بعد أن امتد سلطانهم إلى الشمال الغربي من منغوليا، وأخضعوا التتار (8) النازلين على الضفة الجنوبية لنهر كيرولين فسعى الامبراطور الصيني ألتان خان أن يثير العداء بينهم وبين التتار والمعروف أن العداء بين الطرفين كان يتمحور حول السيادة (9).
واشترك يسوكاي بن برطام بهادور، وهو من سلالة كابل ووالد جنكيز خان، في الحروب التي نشبت بين الطرفين بوصفه رئيساً لعشيرة بوريجين وأسرة قيات، وقتل في إحدى المعارك حوالي عام (550هـ / 1155م) أحد زعماء التتار ويدعى تيموجين وعندما عاد إلى مضارب قبيلته وجد زوجته قد ولدت له ولداً، فسماه تيموجين تخليداً لهذا الانتصار، وهو الذي عُرف بـ«جنكيز خان وتدخل يسوكاي في خلافات الكرايت الداخلية وفاز بصداقة خانهم وانغ طغرل الذي ساعده على استعادة سلطته على شعبه.
وتوفي يسوكاي مسموماً إثر مؤامرة دبَّرها له التتار في عام (570هـ/ 1175م) في الوقت الذي لم يتجاوز ابنه البكر تيموجين التاسعة من عمره، وفي رواية الثالثة عشرة، وترك من الأولاد، باستثناء هذا الأخير، جوجي كسار، وكاجيون أوتشي، وتيموجة أتشكين وشقيقة تدعى تيمولين، بالإضافة إلى ولدين من أم أخرى هما بكتر وبلكوتاي (10).
...................................................................
(1) الجويني: ج1 ص14، 15. غروسیه، رينيه جنكيز خان قاهر العالم: ص13. العريني: ص 39، 40 .Howorth: I p31
(2) الكرايت: قبيلة مغولية غير أن كثيراً من زعمائها كانوا أتراكاً ما أدّى إلى التباس المؤرخين بشأن أصلهم المغولي أو التركي استوطنت هذه القبيلة الواحات الشرقية الداخلة في صحراء جوبي وجنوبي بحيرة بايكال حتى سور الصين العظيم، واعتنق أفرادها الديانة النصرانية على المذهب النسطوري.
(3) النايمان: قبيلة تركية غلب على أفرادها الطابع المغولي، تقع منازلها في الحوض الأعلى لنهر أورخون ومنحدرات جبال ألتاي اعتنق بعض أفرادها الديانة النصرانية على المذهب النسطوري وبقي البعض الآخر على الشامانية.
(4) الرمزي: ج 1 ص347 . 39 :Howorth
(5) غروسيه ص 21
(6)Howorth: l pp 44-43.
(7)lbid:p42.43.
(8) التتار من الأقوام غير التركية التي ورد ذكرها في نقوش أورخون والتي سكنت المنطقة التي يحدها شمالاً نهرا أورخون وسلنجا ومملكة القيرغيز، وشرقاً إقليم الخطا - الصين الشمالية - وغرباً ممالك الأويغور، وجنوباً إقليم التيبت ومملكة التانغوت وهم من أشد قبائل الجنس الأصفر بطشاً وجبروتاً في أقاليم آسيا الشمالية، ويتشعبون إلى شعب كثيرة. وقد أخضعوا أغلب القبائل المجاورة لهم بحيث أن قبائل الأتراك، على اختلاف مراتبهم وطبقاتهم، تسموا باسمهم، فأُطلق على الجميع اسم تتار ، ولهذا السبب أطلق سكان الخطا والهند والصين ومنشوريا وبلاد القيرغيز والبلغار والباشغر والقبجاق وولايات الشمال وأقوام الأعراب والشام ومصر والمغرب اسم تتار على أقوام الأتراك، وعُرف مغول جنكيز خان في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي باسم التتار، ولم تلبث هذه اللفظة أن أطلقت على أسلافه وعلى النايمان بالإضافة إلى الشعوب التي خضعت له على الرغم من أن التتار كانوا قبيلة أو قبائل مستقلة عن المغول من هنا فإن لفظ التتار والمغول اسمان لقبيلين يعيشان الشطر الشرقي من آسيا وفي الشمال الغربي من الصين. وأطلق المؤرخون المسلمون في العصور الوسطى على كل موجة بشرية قذفتها آسيا الوسطى باتجاه الأراضي الإسلامية، اسم الترك حيناً والتتار أحياناً من غير تحديد، حتى أنهم سموا الزحف المغولي الكبير باسم زحف التتار والمعروف أن التتار كانوا يتكلمون اللغة المغولية. وبعد ظهور جنكيز خان غلب اسم المغول على جميع الشعوب القبلية فاشتهروا في التاريخ بهذين الاسمين. انظر: رشيد الدين فضل الله بن عماد الدولة: جامع التواريخ: ج1 ص 57 - 61.
(9) غروسيه ص 26، 27
(10) الرمزي: ج1 ص 347، 348. Howorth;l pp46-48
الاكثر قراءة في التاريخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة