غزوة الفرس الثانية لبلاد الإغريق سنة 480 ق.م
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج12 ص 523 ــ 525
2025-05-14
353
لم ينسَ الفرس الصدمة التي صدموها في موقعة «ماراثون»؛ ولذلك بيتوا لغزو بلاد الإغريق كرة أخرى. وقد بدأ الفرس غزوتهم بعد مضي عشرة أعوام على الغزوة الأولى، ولم يكن هجوم الفرس هذه المرة موجهًا على «أثينا» و«أيوبوا» وحسب، بل على كل بلاد الإغريق بأسرها. وكانت «أسبرتا» في هذه الحرب الثانية هي الدولة القائدة للحرب. والواقع أنها قد أظهرت رغبتها في أن تأخذ بنصيبها كاملًا في الحروب المقبلة. أما «أثينا» فإنها على أية حال قد قدمت للقتال أسطولها وما لها من دراية بحرية، تلك الدراية التي جعلت النصر في جانب الإغريق. وقد رأى أحد رجال سياستها هو «تمستوكليس» في الوقت المناسب أن الخطر كان داهمًا، وأن النصر سيكون في جانب من تكون له السيادة البحرية. وكان في «أتيكا» في هذا الوقت منجم فضة يخرج كميات عظيمة من هذا المعدن؛ ولذلك أغرى «تمستوكليس» الأثينيين على أن يكونوا بحارة ماهرين، وأن ينفقوا هذه الثروة على بناء سفن حربية مجهزة بمجاديف كثيرة وشرع كبيرة، وكانت «أثينا» في هذه الآونة لها أسطول يفوق بكثير أي أسطول آخر في بلاد الإغريق.
أما الفرس فكان ملكهم «دارا الأول» كذلك يستعد لحملة أخرى على بلاد اليونان، ولكنه مات عام 486 ق.م وخلفه ابنه «أكزركزيس» الذي اشتهر بضعفه وغروره، ولم يرث شيئًا من عظمة والده، وقد استمر في التعبئة للحرب على نطاق واسع. وقرر أن جيشه الذي جنده من الست والأربعين أمة التي تتألف منها إمبراطوريته، يجب ألا يعرض إلى بحر إيجة العاصف، بل يجب أن يسير حول ساحل بلاد الإغريق في حين أن الأسطول يكون على اتصال معه بحرًا. ومن أجل ذلك حفرت قناة للأسطول في برزخ جبل «آثوس» Athos، الذي كانت تصطدم فيه العواصف، وهو الذي كانت قد غرقت فيه سفن «دارا الأول» منذ اثنتي عشرة سنة خلت. وكذلك أقيمت قنطرتان من السفن على مضيق «هلسبونت» — الدردنيل الحالي — لأجل مرور الجيش في سلام.
وفي خلال هذه التجهيزات كان جيش الفرس يتجمع عند «سارديس». وفي هذه المدينة جاءت الأخبار إلى «أكزركزيس» بأن القنطرة الأولى التي أقيمت على «الدردنيل» قد حطمتها عاصفة. ويحدثنا «هردوت» هنا بأسلوبه القصصي البديع أن غضب «أكزركزيس»، قد وصل إلى حد كبير حتى إنه أمر بقطع رقاب المهندسين الذين أقاموا هذه القنطرة، وأن تضرب مياه «الدردنيل» بالسوط مائة مرة، هذا وقد نطق بالكلمات الجوفاء الآتية على المضيق: «أنت أيتها المياه المرة، إن سيدك يوقع هذا العقاب عليك؛ لأنك قد ارتكبت جرمًا في حقه وهو لم يخطئ قط في حقك، وإن الملك «أكزركزيس» سيعبرك سواء أردت أم لم تُريدي، وإنه لمن الصواب ألا يضحي أي إنسان لك؛ لأنك نهر ثائر أجاج!» وفي الحال أمر بعمل قناطر جديدة من مراكب حربية، وقوارب أخرى يعلوها أمراس قوية ومغطاة بطريق مصنوعة من الألواح الخشبية ومكدسة بأغصان من الخشب والطين المثبت، وقد أحيطت من كلا الجانبين بأوتاد من الخشب، حتى لا تنزعج الخيل أو الحيوانات الأخرى من منظر البحر عند عبورها له.
وعندما تمت جميع الاستعدادات، بدأ الجيش يزحف من «سارديس». وقد كان أول ما تحرك هو الأمتعة والحيونات ثم جيوش من أمم عدة، وكان ذلك يؤلف أكثر من نصف الجيش كله. وقد تبع ذلك فرسان الفرس ورجال الحراب وقفوا بعشرة آلاف حصان حجمها غير عادي ومطعمة بفاخر العدة، وأتى بعد ذلك ثمانية جياد بيض والعربة المقدسة للإله «أور موزد» خالية يقودها سائس يمشي على قدميه؛ لأنه كان محرمًا على أي بشر أن يجلس فيها. وبعد هذه العربة جاء «أكزركزيس» نفسه في عربة يسير خلفها رجال حرابه وخيالة آخرون، وكذلك عشرة آلاف فارس من المشاة مسلحين بأفخر العدد. ويقول لنا «هردوت»: إن هؤلاء كانوا يسمون «المخلدين»؛ لأن كل من فقد من بينهم كان يحل محله آخر؛ لأجل أن يبقى عددهم كاملًا غير منقوص باستمرار. وقد وصل الجيش عند مضيق «هلسبونت»، وأخيرًا جاء يوم عبورهم له. وعند بزوغ الشمس استيقظ «أكزركزيس» من نومه، وجلس على عرش من المرمر الأبيض مطلًّا على المضيق، ودعا ووجهه نحو الشمس ألا يعوقه شيء عن فتح أوروبا حتى أقصى حدودها.
وبعد ذلك بدأ الموكب يتحرك عبر القنطرة في حين أن المتاع وحيوانات الحمل كانت تعبر المضيق على قنطرة أخرى من السفن. وقد سار الجيش غربًا حتى وصل إلى سهل عظيم في «تراقية»، حيث أحصى «أكزركزيس» مشاته. ولما كان عددهم كبيرًا لا يحصى، فإن عشرة آلاف منهم قد حشدوا في مساحة تسعهم بالضبط، وهذه المساحة قد فرغت ثم ملئت مائة وسبعين مرة. ولا بد أن تكون رواية «هردوت» مبالغًا فيها. وعند هذه النقطة يصف لنا «هردوت» الجنود المختلفي المظاهر والأشكال، فكان منهم الآشوريون مثلًا بخوذاتهم البرنزية الملتوية وعصيهم ذات العقد الحديدية، والكاسبيون بعباءاتهم المصنوعة من الجلود حاملين سيوفًا مستقيمة قصيرة، والهنود مرتدين ملابس قطنية ومسلحين بسهام من الغاب مركب فيها أسنة من الحديد، والأثيوبيون السود لابسين جلود فهود أو جلود أسود على أجسامهم، التي كانوا يصبغونها باللون الأحمر أو الأبيض للمعركة، ومسلحين بأقواس طول الواحد منها ست أقدام من جريد النخل، والتراقيون مرتدين جلود ثعالب على رءوسهم وعباءات مختلفة ألوانها فوق قمصانهم، وينتعلون أخفافًا في أقدامهم وعلى سيقانهم جلود الظباء، والليسيون الذين كانوا يرتدون قبعات مزركشة بالريش، واللوبيون ذوو الشعر الملبد الذين كانوا يلبسون ملابس من الجلود، وحرابهم من الخشب محروقة أطرافها، وكثير غير هؤلاء من الذين كان يتألف منهم الجيش الفارسي.
ونجد في الوقت نفسه أن ممثلين لكثير من المدن الإغريقية قد عقدوا اجتماعًا عند برزخ «كورنت»، وقرروا أن يؤلفوا جيشًا يكون تحت قيادة «ليونيداس» Leonidas أحد ملكي «أسبرتا». وقد شعرت «أثينا» آنذاك أنها صاحبة الحق في قيادة كل الأسطول المتحد، ولكن لما كان كثير من الحكومات الإغريقية ترغب في جعل القيادة «لأسبرتا»، فإن «أثينا» نزلت عن حقها بسبب الخطر الذي كان يهددهم جميعًا.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة