أول غزو فارسي لبلاد الإغريق
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج12 ص 521 ــ 523
2025-05-14
375
باءت أول محاولة قام بها «دارا» لغزو بلاد الإغريق بالفشل؛ وذلك لأن عاصفة هوجاء حطمت مائتين من سفن ملكها العظيم بعيدًا عن جبل «آتوس»، أما باقي الجيش والأسطول فقد اضطروا إلى التقهقر. وبعد مضي عامين على هذا الحادث كان «دارا» على استعداد لمحاولة غزو بلاد الإغريق ثانية، وقد أرسل أولًا رسلًا لجزر بحر «إيجة» ومدن الإغريق طالبًا منها ترابًا وماءً رمزًا للخضوع له، وقد أطاع معظم الجزر وأرسلوا له ما طلب إلا «أثينا» و«أسبرتا»، ومدن إغريقية أخرى، فإنها رفضت على الرغم من أنها كانت تعلم أن ذلك يعني قيام حرب عليها. وعندئذ أرسل «دارا» أسطوله المؤلف من ستمائة سفينة إلى «أرتريا» في جزيرة «أيوبا»، ونزل هناك جيشه. وقد حارب أهل المدينة ستة أيام صادين هجوم العدو الجبار، ولكن خائنين من بين السكان فتحوا أبواب المدينة للعدو الذي استولى عليها، ونهبها وحرق معابدها واغتصب الناس وساقهم إلى العبودية وذلك على حسب أمر «دارا».
وتحرك بعد ذلك الأسطول الفارسي إلى بلدة «ماراتون» الواقعة على الشاطئ الشرقي «لأتيكا» على مسافة اثنين وعشرين ميلًا عن «أثينا»، وأنزل جزءًا من الجيش على سهل الساحل، وقد ظن البعض أنهم فعلوا ذلك لأجل أن يحملوا الأثينيين على سحب جنودهم من «أثينا»؛ وذلك لأنه كان يوجد حزب في المدينة يريد أن يعيد الحاكم المطلق «هبياس»، الذي أتى على أحد السفن الفارسية لمساعدتهم، وكان حزب «هبياس» يتآمر مع الفرس ليدخلوا المدينة التي لم تكن محصنة وقتئذ.
وعندئذ أرسلت «أثينا» إلى «أسبرتا» بريدها السريع «فيديبيدس» الذي قطع مسافة مائة وأربعين ميلًا في ثمان وأربعين ساعة، وسلم التماس النجدة العاجلة. وقد رجا أهل «أثينا» اللاسيديميين (1) ألا يقفوا على مقربة منهم، ويشاهدوا أقدم مدينة في بلاد الأيون تصبح أسيرة في يد قوم همج، وكانت «أرتريا» قد وقعت في ذل العبودية، وصارت بلاد الإغريق ضعيفة بفقدان مدينة عريقة في المجد، ولكن «أسبرتا» وقتئذ كانت تحتفل بعيد ديني تحرم قوانينه عليها أن تخرج من ديارها قبل تمام الفجر.
والواقع أن «أثينا» كانت في خطر؛ ولذلك فإن التأخر أو التردد من جانب الأهالي سيكون من نتائجهما أن يمكن الفرس من القيام بالهجوم، وبخاصة أن المدينة لم تكن مسورة. وفي هذه الآونة كان تحت قيادة القائد الأعلى للجيش المسمى «كاليماكوس» عشرة قواد يسمى واحد منهم «ملتياديز». وقد كان من رأيه أن يقاوم العدو عند المكان الذي رسا فيه أسطول الفرس وقد اتبع رأيه، وبعد مسيرة يوم واحد كان تسعة آلاف جندي يقفون على التلال القريبة من «ماراثون»، مطلين على السهل الذي بينهم وبين البحر، وقد كانوا وحدهم من الأثينيين، ولم يكن يساعدهم إلا ألف جندي أرسلتهم إلى هناك مدينة صغيرة تدعى «بالاتيا» Palataea من أقليم «بوشيا» Boeotia، وكانت قد وضعت نفسها تحت حماية «أثينا» منذ عشرين سنة مضت.
وأسفل من الجيش الأثيني كانت ترسو السفن الفارسية على مسافة تتراوح ما بين ميلين وثلاثة. والرأي السائد هو أن الفرسان كانوا قد أنزلوا ثانية؛ لأجل أن يقوموا بهجوم مفاجئ على «أثينا». أما المشاة فقد اصطفوا في السهل بالقرب من البحر في خط طويل. وقد عقد «كاليماكوس» مجلسًا حربيًّا وقد انقسم قواده فريقين فريق يحبذ التمهل وفريق يريد العمل في الحال، وكانوا خمسة ضد خمسة، ولكن «ملتياديز» حث على ضرورة القيام بهجوم باسل سريع؛ لأن «أثينا» كانت في أعظم خطر يهدد حياتها، وأن هذه اللحظة لا بد أن نقرر مصيرها، وعندئذ قرر «كاليماكوس» الهجوم، فصف جنوده استعدادًا للمعركة على العدو، وقد جعل صفه بنفس طول الصف الفارسي وقواه في الجناحين، ولكن في الوسط كان عمقه لا يتجاوز بضعة صفوف. وقد أعطيت إشارة الهجوم وعندئذ تقدم الجنود الإغريق إلى الأمام بسرعة على العدو، وقد ظن الفرس أن هؤلاء الجنود قد أصابهم مس بلا ريب، والتحموا معهم في حومة الوغى، وقد استولت عليهم الدهشة عندما رأوا أنفسهم مضطرين إلى التقهقر نحو التلال.
وكان الجناحان — جناحا الجيش الإغريقي — على حذر من أن يتابعوا عدوهم إلى مسافة بعيدة، بل التفوا حولهم وشتتوا شمل قلب الجيش الفارسي المنتصر في هجوم سقط فيه كثير من جنود العدو صرعى، وبعد ذلك هربت البقية الباقية من جيش الفرس إلى سفنهم، والإغريق يقتفون أثرهم ونشب بينهم صراع بالأيدي، فقتلوا منهم عددًا عظيمًا واستولوا على سبع سفن في النهاية.
وقد اقتبس المؤرخ «هردوت» شائعة تقول: إن الفرس في أثناء إقلاعهم بسفنهم رُئي درع يسطع من قمة جبل خلف «ماراثون» يقع بينها وبين «أثينا». وقيل: إن ذلك كانت إشارة من الخونة في المدينة؛ ليظهروا للفرس أنه يمكنهم أن يدخلوا «أثينا».
وقد لف الفرس حول الساحل حتى وصلوا إلى الميناء الشرقية «لأثينا»، ولكنهم وجدوا الأثينيين قد ساروا بسرعة خاطفة من «مارثون»، ووقفوا هناك أمامهم، وقد كان نجاح الأثينيين في ملاحقتهم بهذه السرعة على ما يظهر سببًا في خيبة المؤامرة، وعندما علم الفرس بانتظار جيش «أثينا» المفاجئ لمنازلتهم عادوا إلى بلادهم يجرون ذيل الخيبة والهزيمة.
وبعد أن تمت كل هذه الأحداث جاء إلى «أثينا» ألفان من جنود «أسبرتا» بعد تمام القمر، ومن ثم ذهبوا إلى «ماراثون» ليشاهدوا مكان الواقعة، وهناك امتدحوا الجنود الأثينيين على ما أحرزوه من نصر مبين، ثم عادوا ثانية إلى «أسبرتا»، على أن هذا النصر لم يسحق الجيش الفارسي تمامًا؛ وذلك لأنه لم يشترك في المعركة إلا جزء منه فضلًا عن أن الفرس كان لديهم موارد كثيرة لتأليف الجيوش الجرارة، ولكن النتيجة الهامة في ذلك أن اسم «أثينا» أصبح مشهورًا، فقد كان في استطاعتها دون مساعدة تقريبًا أن تجبر جيش الفرس الرهيب الجانب على أن يتقهقر إلى بلاده مقهورًا.
................................................
- وكلمة «لاسيدمون» تعبير آخر عن «أسبرتا»، وتعني كذلك أحيانًا كما هي الحال هنا كل إقليم «لاكونيا» الذي كانت تؤلف منه «أسبرتا» جزءًا.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة