الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الصورة الشعرية
المؤلف:
د. محسن اطيمش
المصدر:
دير الملاك
الجزء والصفحة:
ص:221-280
2025-04-08
138
الصورة الشعرية
مصادر الصورة في القصيدة الحديثة، ودرجات افادة الشاعر من هذه المصادر ثم كيف وظف صورته الشعرية الخدمة موضوعه ، ومدى اسهامها في نمو القصيدة وبلورة الموقف والمضمون لقد حفلت كتب النقد الأدبي العربي منذ القرن الثاني ، بالحديث عن الشعر وماهيته ، وهم وان لم يتحدثوا عن الصورة كمصطلح فني الا أنهم جعلوا المعنى بديلا عنها يقول الدكتور جابر عصفور قد لا نجد المصطلح - الصورة الفنية - بهذه الصياغة الحديثة في الموروث البلاغي والنقدي عند العرب ولكن المشاكل والقضايا التي يثيرها المصطلح الحديث ويطرحها موجودة في التراث (1) فلقد خلف لنا البلاغيون والنقاد العرب في هذا المجال العديد من الدراسات التي لم تغفل شيئا عن ماهية الصورة ومكوناتها كالتشبيه وأدواته وأنواعه والاستعارة وأنماطها والمجاز وعلاقاته وغير هذه من الأمور الكثيرة المتشعبة وسنرى في الشعر الحديث أن بعض الشعراء الكبار الذين تحدثوا عن الشعر بدوا وكأنهم يتحدثون عن الصورة وحدها وذلك تأكيدا على أهميتها البالغة في القصيدة ، يقول كولردج الشعر من غير المجاز يصبح كتلة جامدة ذلك لأن الصور المجازية هي جزء ضروري من الطاقة التي تمد الشعر بالحياة ويرى روبرت فروست ان هناك أشياء كثيرة يمكن أن تقال في تعريف الشعر ولكن الشيء الرئيسي فيه هو المجاز (2)
واذا كان الشاعر المعاصر هو ابن الواقع الجديد والحياة الحاضرة والمعبر عما في هذه الحياة من مشكلات وقضايا فهو ابن للماضي أيضا وبخاصة الماضي الشعري الذي لا يمكن فصله عن ذات الشاعر ومخيلته وثقافته بشكل عام ، فالموروث الأدبي سيظل يرافق الشاعر الحديث ويضيف اليه عددا من الروافد والقيم الفنية التي تكون الصورة جزءا منها ان العودة الى القيم الفنية الشعرية الموروثة ليست انكفاءة أو رجعة ، انما هي احياء لكل ما أوثر عن الماضي الشعري من معطيات فنية ايجابية وهي تطوير لفن الشعر كما انها اضاءة وتعميق لرؤية الشاعر واحساسه بالاستمرار والتواصل الفني ، فالشاعر عندما يتوجه الى معطيات موروثة الأدبي فانه لا يعمد الى الافادة الجامدة التي تدخل في باب التكرار والتقليد وانما يهدف الى اعادة صوغ تلك المعطيات بما يثري عمله الجديد ويجعله صالحا للتعبير عن قضاياه المعاصرة ومن خلال هذا الفهم لتوظيف القيم الموروثة عمد العديد من الشعراء المهمين الى تأكيد صوت الماضي في العمل الشعري ، ولذا رأينا اليوت يشير في أكثر من مناسبة الى أهمية الربط بين نتاج الشاعر المعاصر وعلاقته بأسلافه الشعراء يقول ان تقدير الفن والفنان انما هو تقدير للعلاقة التي تربطه بالشعراء والفنانين الموتى (3) وليس من الغريب أن نجد أكثر الشعراء نشاطا في مجال الابداع هم تـ كذلك أكثرهم تأثرا بصوت الماضي (4) أما ستيفن سبندر فيشبه شعر الماضي بمثابة نهر هائل يروي الحياة كلها لذلك يجب على الشاعر ألا يسد مجرى هذا النهر الكبير وانما لا بد له أن يحيا مرة ثانية (5) من هنا صار الماضي الأدبي والشعري جزءا مؤثرا في عملية خلق الصورة الشعرية الجديدة وواحدا من مصادرها المهمة ومن يتتبع الشعر العراقي الجديد سيجد أن نتاج جيل الرواد هو الأكثر قربا من الموروث الأدبي في مجال خلق الصورة الشعرية ومع هذا فان الشعراء هنا يتفاوتون في هذا الاقتراب الواحد عن الآخر ويلفت انتباه قارئ الشعر العراقي الحديث - في مرحلة البدايات وسنوات التكوين - ان الافادة من الموروث الشعري لخلق الصورة كانت تتسم بأنها التقاط علاقة بلاغية ، استعارة أو مجاز تشير أو تومئ لمصدرها عند هذا الشاعر أو ذاك من شعرائنا القدامى ان الشاعر هنا يكتفي من الصورة الكلية القديمة بجزء من مكوناتها ولذا فان هذا النمط من الالتفات الى التراث يعتبر اشارة عابرة أو هو توظيف جزئي غير فاعل جدا في تطوير مضمون القصيدة ، وربما بدا محض اعجاب وتقليد للصورة الموروثة واذ نقرأ قول السياب أعد الليالي خلال الكرى وأرعى نجوم الظلام العميق (6) أو قول البياتي اليوم خمر وغدا في الصقيع تطمر ريح الليل ديواني (7)ولا تسألي من يعوج على طلل دارس أعاد الحبيب ؟(8)فسندرك انهما عمدا الى التقاط جزء من مكونات الصورة الشعرية وردت في أبيات الشاعر القديم تطاول حتى قلت ليس بمنقض وليس الذي يرعى النجوم بايب عاج الشقى على رسم يسائله أو الى المأثور من كلمات الشعراء ككلمة امرئ القيس اليوم خمر وغدا أمر
وما ينتمي الى هذا النمط من توظيف الصورة الموروثة ما نراه في بعض القصائد حين يعمد الشاعر الى نقل الصورة بشكل أوسع وأشمل عن سماء ليس تسقيني اذا ما جئتها مستسقيا الا اواما (9) وهذه الصورة لا تشير الى معنى الصورة التراثية فحسب بل توشك أن تكون صياغة لغوية جديدة لقول المتنبي أظمتني الدنيا فلما جئتها مستسقيا مطرت علي مصائبا ومع أن هذا النمط من الالتفات الى مكونات الصورة الموروثة هو التفات جزئي وغير موظف توظيفا ايجابيا تاما الا أنه سيقود الشاعر بالتالي الى أنماص أخرى من توظيف الصورة الموروثة ، ولعل هذه الأنماط ستكون اما تضمينا للصورة أو تمثلا لها واعادة خلقها من جديد لتلائم حالة الشاعر وتخدم مضمونه الخاص والمعاصر أو تقود الشاعر الى استيحاء المناخ التصويري الموروث بشكل عام في قصيدة المومس العمياء ترد هذه الصورة التي هي مفتتح القصيدة الليل يطبق مرة أخرى فتشربه المدينة والعابرون الى القرارة مثل أغنية حزينة(10) والعلاقة المجازية التي هي شرب الليل انتماء للماضي الشعري وتأثر بالصورة التي وردت في أبيات أبي العلاء یكاد الصبح تشربه المطايا وتملأ منه أوعية شنان حقا ان لكلا الصورتين معنى ووظيفة في القصيدتين لكن ما يتضح هنا هو أن السياب التقط تلك العلاقة المجازية ونأى بها ربط بين شرب الصبح و شرب الليل غير أن هذا الربط لم يكن زينة شعرية أو تدليلا على ثقافة تراثية أو تقليدا انما تحول الى تكوين تصويري فاعل ومدخل وصفي يسهم كثيرا في بلورة الحالة الشعرية ، ذلك ان السياب كان بصدد رسم صورة للمدينة الموحشة التي يخيم عليها الليل والحزن وتعيش حالة من الجدب والتي ما تزال تشرب ليلها المرير مرة اثر أخرى ، هنا يمكن لما أن نقول ان الشاعر أخذ يتجاوز الالتفات البسيط والعابر للصورة القديمة ، لقد بدأ يتمثلها ويعيد خلقها لتخدم موضوعه وموقفه المعاصر الخاص ، وفي هذا الموضع لا بد أن نشير الى أن بيت السياب هذا كان مؤثرا في أكثر من شاعر وصارت صورته الليل تشربه المدينة مصدرا شعريا لمن يقول والليل يطبق غيمة سوداء تبتلع المدينة(11) الليل حولي موحش غريب تشربه مقابر المدينة(12) واذ نمضي مع السياب في قصيدته المومس العمياء ونصل الى المقطع الذي يتحدث فيه عن العلاقة بين ماضي المومسات البريء وحاضرهن الملوث فسنلتقي بالصورة الشعرية القديمة التي وردت في شعر المتنبي لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم وسنرى كيف تحولت بين يدي السياب الى جزء فاعل ومؤثر يعبر عن أحاسيس الشاعر وأحاسيس الآباء الذين كانوا لسنوات قريبة خلت آباء لأطفال كالحمائم في النقاء لأب يقبل وجه طفلته الندى أو الجبين ما كان يعلم أن ألف فم كبئر دون ماء ستمص من ذاك المحيا كل ماء للحياء يصم وان عارا كالوباء الجباه فليس تغسل منه الا بالدماء (13) وسنرى أيضا أن تلك الصورة الشعرية القديمة استطاعت أن تكتسب أبعادا موضوعية جديدة ولو أن القارئ تجاوز قضية الخطيئة البغاء بمعناها الشخصي الضيق ودلف منها الى الموضوع الاكثر شمولا لأدرك أن تأكيد السياب على ضرورة التطهر بالدم انما هو اشارة الى الواقع الأجتماعي الاسود والمرير الذي كان يحي العراق في سنوات ما قبل ثورة تموز ذاك الوقع الذي لا يمكن أن يتطهر إلا بالدم أيضا وهذا البعد الاخر للصورة الشعرية ينبثق عن الرؤية الكلية لقصيدة المومس العمياء التي لانراها قصة تتحدث عن امرأة سقطت وحسب وانما هي تصوير شامل للخراب الاجتماعي واحتجاج شديد على كل ماكان يحدث وطموح الى خلق عالم جديد أكثر عدالة ونبلا ويبدو قول المعري سحائب مبرقات مرعدات لمهجة كل حي موعدات مصدرا للصورة الشعرية التي وردت في قصيدة السياب مدينة بلا مطر وربما عمد الشاعر اليه ونقله نقلا يوشك أن يكون تاما جياع نحن وا أسفاه فارغتان كفاها وقاسيتنان عيناها وباردتان كالذهب سحائب مرعدات مبرقات دون امطار قضينا العام بعد العام نرعاها وريح تشبه الاعصار لا مرت كاعصار ولا هدأت(14) غير أن الصورة الشعرية القديمة تحولت هنا بفعل تراكم الصور من حولها الى نسيج خالص بعد أن أضاف اليها الشاعر دون أمطار وهذه الاضافة البالغة الاهمية نأت بالصورة القديمة عن معناها الذي وردت فيه وتحولت بفعل رؤية الشاعر المعاصر الى جملة وكأنها انبثقت عن الموقف الشعري الذي تتوالى فيه الصور لتؤكد حالة الجدب واليباب والاحساس التام بالخيبة ذلك أن هذه السحب ذات البروق والرعد ليست سحبا حقيقية سحب كاذبة لأنها خالية من المطر الذي يعيد الخصب والحياة لمدينة المحترقة وشبعها الجائع أما قوله في قصيدته قارئ الدم لو أن غرسا كان من بشر (15) فيشير الى المعنى العام الذي قدمته الصورة المورثة شر أشجار علمت بها شجرات أثمرت ناسا ويلاحظ هنا أن السياب أفاد من معنى الصورة دون أن يلتفت الى شيء من تركيبها اللغوي واذاكان السياب حريصا على تطوير معاني الصورة القديمة واكسابها أبعادا موضوعية جيديدة تنبثق من داخل العمل الشعري فان العديد من الصور الشعرية المورثة التي تسربت الى نتاج عبد الوهاب البياتي تبدو أقرب الى التضمين التام أي أنها لم تكتسب دلالات جيديدة ولم تنصهر داخل السياق الموضوعي للقصيدة المعاصرة لتقدم بالتالي حالات ودلالات مغايرة لما كانت تعنيه في التراث الذي تسربت منه فالبياتي عندما يقول في قصيدته كتابة على قبر عائشة ياراكبا نجران بلغ نداماي اذا ماطلع النهار واقتحمت مدينة الموتى خيول النار وشط بي المزار أن لا تلاقيا ولا لقاء وابك على طفولتي أمام صمت القبر وقف على أطلال هذا القلب مصليا للرب(16)
فهو يستعير قول الشاعر عبد يغوث بن وقاص
أيا راكبا اما عرضت فبلغس نداماي من نجران أن تلاقيا وواضح أن البياتي كان يتابع . كلمات الشاعر القديم وهو وان أدخل بين تلك الكلمات قوله واقتحمت مدينة الموتى خيول النار الا أنه ما استطاع أن يخرج المعنى القديم واقعه النفسي من أو يضيف اليه شيئا جديدا أو أن يتوجه به وجهة أخرى فبيت عبد يغوث انما كان يشير الى الأحزان واليأس المتأتي من البعاد الذي قد لا يعقبه تلاق ، وهذه الحالة النفسية هى محور معاني قصيدة البياتي أيضا ومن هنا ينأى تضمين الصورة الموروثة عن أن يكون ايجابيا ، لأننا نعرف أن للتضمير الفني وظيفة هي في الغالب لتطوير المعنى أو الحدث أو للتسامي بالانفعال كما تقول مارجوري بولتن (17) ولا يخرج بيت المتنبي يموت راعي الضأن في جهله ميتة جالينوس في طبة عن دلالته القديمة وتركيبته اللغوية في مطلع قصيدة البياتي الأخرى مرثية الى عائشة يموت راعي الضأن انتظاره ميتة جالينوس يأكل قرص الشمس أوروفيوس تبكي على الفرات عشتروت(18)ولا نظن أن لهذه الصورة الشعرية برمتها وظيفة ايجابية تدفع بالحدث أو الموقف الشعري الى النمو والتطور أو أن تقدم حالة أو بعدا جديدا ، خاصة وأن البياتي أثقل مطلع قصيدته بالأسماء التاريخية والأسطورية فذكر أوروفيوس وجالينوس وعشتروت وتموز وعائشة ، فيما تقدم وفيما سيأتي من أبيات وفي قصيدته أغنية نقرأ قالوا وفي عينيك يحتضر النهار وتجف رغم تعاسة القلب الدموع قالوا تمتع من شيم عرار نجد یا رفیق فبكيت من عاري فما بعد العشية من عرار فالباب أوصده يهوذا والطريق خال(19)هنا نلاحظ أن الصورة الموروثة صارت تضمينا تاما وهو تضمين غير متمثل وغير متجاوز لأنه ظل حبيس دلالته القديمة وما تثير من أحاسيس والبياتي هنا لم يضمن صورة من التراث فحسب وانما قطع بيتا كاملا ووزعه توزيعا خاصا والبيت هو تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار ويجد قارئ شعر شفيق الكمالي نمطين من توظيف الصورة الشعرية الموروثة التي تتخلل البناء الجديد لقصيدته الأول منهما - كما هو عند عبد الوهاب البياتي - حيث تصير الصورة الموروثة تضمينا مثلما حصل في مطلع قصيدته غزل أموي الذي يشير الى البيت القديم أسرب القطا من يعير الحزين جناحا فقد هذه البعد(20)أسرب القطاهل من معير جناحه لعلى الى من قد هويت أطير والثاني هو أن يومئ الى الصورة الموروثة وينأى بها عن وظيفتها التي وردت
ضمن السياق وهنا تصير جزءا من بنائه الشعري وتحمل شحنات عاطفية تنسجم مع الحالة النفسية والموضوعية التي تثيرها القصيدة ، تغدو تمثلا لعطاء فن الماضي وذات وظيفة جديدة یا شجر الخابور أتورق ؟ وابن طريف أردته خيول عمومته أبصرت جنود الروم تقوض أسوار دمشق تمزق أشعار هذيل فاضت وديان حنيفة دمعا والحزن تعتق يا عبد الملك استعجم جيل الأبناء(21)لقد خرجت الصورة القديمة أيا شجر الخابور مالك مورقا كأنك لم تحزن على ابن طريف خرجت من دلالتها في اثارة الحزن والبكاء الشخصي واكتسبت داخل القصيدة المعاصرة معنى جديدا هو الاحتجاج على التمزق الذي يسود أبناء الشعب الواحد حيث تقتل القبيلة الواحدة أبناءها وتنشغل بما هي فيه من عدوان وفرقة بينما يحاول الغزاة تقويض أسوار المدن العربية كلها ممثلة بالمدينة الرمز دمشق لقد تغير معنى الصورة القديمة وحمل دلالة جديدة وأشار الى حالة لم تكن لترد في ذهن الشاعرة العربية القديمة - من خلال قصيدتها - التي هي : بكاء شخصي وتمجيد للبطولة الفردية ممثلة بابن طريف الفرد وليس الرمز ومع هذا فان الالتفات الى تضمين الصورة الموروثة يعتبر النمط الأقل شيوعا في شعر الكمالي لأن هناك نمطا آخر من التمثل للموروث الأدبي في صنع الصورة وهذا النمط الجديد لا يستند الى المفردات أو التركيب البلاغي الشائع في صورة معينة من الصور التي يمكن ردها الى أصولها وانما هو - ان جاز لنا التعبير - استيحاء للمناخ لتصويري والحسي الذي كنا نراه في شعر الماضي هنا توشك الصورة أن تنقل الينا حساسات وحالات الشاعر العربي القديم بطريقة غير تقليدية لان الصورة في القصيدة تكتسب دلالاتها الموضوعية الخاصة التي تنبثق عن موقف الشاعر المعاصر نفسه لم تترك ظلا أو طللا يبكي عند حجارته رحلوا ورماد مواقدهم بيد الريح نثار(22) اننا هنا ازاء لغة وصور شعرية ذات علاقة حميمة بمعطيات التراث الشعري ولكننا لا نستطيع أن نردها الى شاعر عربي بعينه فالصورة غدت تمثلا لشعر الماضي بل ولأحاسيس شاعر الماضي أيضا ويلاحظ الباحث ان هذا النمط من استيحاء مناخ الصورة الشعرية الموروثة لم يكن مرتبطا بمعطيات شعر شفيق الكمالي وحده وانما صار طاهرة تعبيرة يمكن للقارئ أن يتبعها عبر عدد غير قليل من المجموعات الشعرية التي سنشير اليها تجنبا للاستطراد غير الضروري (23) ولكنها ستبدو أكثر وضوحا وتكريسا في نتاج يوسف لصائغ وفي قصائده الاربع الطوال بالذات ترجل فان القطا نائم والقوافل متعبة هوم النازحون لطول السرى سوى واحد ما ينام وحيدا يمنيه هذا الدجى بسهيل تراب سهيل انطفا واستراحت على حلم صهوة وخيام(24)
ومع أن القصيدة اعترافات مالك بن الريب تستند أساسا إلى قصيدة ابر الريب القديمة وتتضمن بعضا من صورها الا أن الشاعر استطاع أن يضيف أو معطيات تلك القصيدة العديد من الصور التي تستوحي مناخ الصورة الشعرية الموروثة واذ تغدو صور الشاعر المعاصر تمثلا لفن الماضي فان القارئ لا يعرف بالضبط ما اذا كان الصائغ قد علم بأن شاعرا عربيا قديما قال وفتو هجروا ثم أسروا ليلهم حتى اذا انجاب حلوا فاحتسوا انفاس نوم فلما هو موا رعتهم فاشمعلوا أم لا ؟ وتأتي لغة الكتب المقدسة جزءا من أثر التراث الأدبي في صنع الصورة الشعرية ، ومصدرا مهما من مصادرها وسيرى الباحث أن الكثير من الحكايات التي حملتها الكتب المقدسة أو الصور الفنية التي ترد هنا أو هناك في ثنايا الكتب ، ستتحول لدى الشاعر المعاصر الى مصدر فني يخلق صورته الشعرية منه وفي هذا المجال سنفاجأ بحقيقة قد تكون غريبة وهي أن الشعراء العراقيين عموما انما يميلون في الغالب الى استقاء صورهم الشعرية - في حدود التأثر بالكتب المقدسة ـ مما ورد في الانجيل أو التوراة ، بينما تعد الافادة من القرآن الكريم قليلة جدا اذا قيست بالافادة من ذينك الكتابين وقد يحار المرء في تفسير هذه الظاهرة فهل نظن أن الشعراء العراقيين - ونسبة المسلمين منهم أكثر من 95 - قد ركنوا الى حقيقة أنهم مسلمون وأنهم يعرفون القرآن جيدا فقد قرأوه في البيت وفي المدرسة وسمعوه وما يزالون في شتى المناسبات فأنساهم ركونهم الى هذه الحقيقة المتابعة الجادة والقراءة الحقيقية الأدبية للقرآن الكريم ذلك أن متصفح الشعر العراقي سيدرك أن أثر القرآن يوشك أن يكون منبتا في عدد كبير من المجاميع الشعرية مما يجعلنا نظن أن عددا غير قليل منهم لم ينهمك انهماكا تاما في قراءة القرآن وتأمله لغة وتراكيب وصورا وربما كان التوجه الى الكتاب المقدس بسبب تأثر الشاعر العراقي في مختلف مراحل عمر الشعر الجديد بالشعر الأوربي الذي اقتبس من التوراة والانجيل الشيء الكثير ، فكان هذا جزءا من محاكاته للشعراء الأوربيين وربما لأن أغلب أشخاص الانجيل والتوراة قد تحولوا الى رموز شعرية لدى أكثر من شاعر عربي ومن خلال هذه الرموز التقى الشاعر الحديث باللغة وبالصورة الفنية التي ارتبطت بهذه النماذج وتبدو الافادة من الصورة التي يكون مصدرها القرآن الكريم على نمطين ايضا الأول عابر ومبتسر ليس أكثر من التفات الى استعارة جميلة أو عبارة تعجب الشاعر وكأنه تداع ذهني أكثر من كونه استلهاما موظفا توظيفا تاما من أجل كشف حالة أو موقف يتطور وينمو ضمن السياق الشعري الجديد وبكلمة أخرى يمكن أن نصف هذا النمط من الافادة بأنه غير فاعل أو غير كبير التأثير في مجرى مضمون القصيدة اندحري يا ابخرة الموت أمام العشق الاسطوري يهون الصعب ويغدو الهرم الأكبر عهنا منفوشا تنثره أنفاس العشاق(25)
وفي هذه الابيات تتحول العبارة القرآنية كالعهن المنفوش الى صورة شعرية صغيرة ومحدودة قائمة على التشبيه أي أن الشاعر التقط علاقة المشابهة فقط وخلق صورة غير نامية أو فاعلة في تطوير النسيج الفني والموضوعي للقصيدة وسيمر بنا في حديثنا عن وظائف الصورة شيء من التوضيح لمثل هذا الاستخدام ونقرأ في شعر حميد سعيد من مات مات ومن لم يمت فليكن معنا اننا راحلون الى جنة عرضها الوطن العربي(26) وفي شعر سامي مهدي كأن حرسته وادخرته أسراب الأبابيل لمعركة سواها كر فيها جيش تضليل (27) ان الاكتفاء بايراد بعض العبارات القرآنية كـ جنة عرضها و طيرا أبابيل يبدو ايرادا مرده الاعجاب الشخصي بالعبارة الموروثة التي تحولت الى نسيج في الذاكرة أو هو نوع من التداعي غير المؤثر لأن الشاعر في مثل هذه الاستخدامات لم يستطع أن يكسب العبارة الموروثة - حين جعلها أساسا لصورته - معنى أو ايحاء جديدا منسجها مع موقفه المعاصر وحالته الخاصة أما النمط الثاني من افادة الشاعر الحديث مما جاء في القرآن الكريم فهو نمط موظف توظيفا ايجابيا لخدمة موضوع القصيدة أو لاضاءة حالة الشاعر النفسية هنا تصير الصورة الموروثة - مع ما يلحقها من اضافة أو تحوير - استلهاما وتمثلا للموروث وصياغته صياغة جديدة تنأى به عن دلالته السابقة وتكسبه أبعادا أخرى هي مما يتطلبه موقف الشاعر المعاصر ورؤيته هذا حرائي حاكت العنكبوت خيطا الى بابه يهدي الى الناس اني أموت(28)
في أبيات الشاعر هذه تحولت الحكاية التي وردت في القرآن الكريم الى موقف جديد وخلقت صورة ذات دلالة مختلفة فالعنكبوت في حكاية اختفاء الرسول عند هجرته من مكة كانت أداة تضليل تدفع بالمشركين الى سبيل آخر للبحث عن محمد(ﷺ) بعيدا عن الغار الذي لجأ اليه أما هنا فان العلاقة بين الغار والعنكبوت تحولت الى الضد أي الى فضح مكمن المختبئ وهدى الناس اليه وكأن السياب أراد أن يقول لنا انه حتى المعجزة لم تعد نافعة ازاء واقع جديد يبحث فيه الآخرون - حاملو البنادق ـ عن الشاعر هكذا تتحول الصورة القديمة الى خيط في النسيج المأساوي العام وتلقي بضوئها لتكشف حالة الشاعر المعاصر وشيئا من واقعه المأزوم مر بنا توظيف حميد سعيد لـ جنة عرضها ونقرأ في قصيدته الأخرى صيغة مقترحة للملحمة الغجرية قوله لعل القميص الذي يستحم على طرف من قميصي ويفتح في جسدي واحة يستطيع استلابك نحوي لقد راودتك المدينة عن نفسها راودتني كما راودتني الأميرة من قبل بي ما يثير المراودة البكر لكنني لا أطيق الاقامة يلعنني جسد امرأة ويباركني جسد امرأة وأخاف المدينة أهرب من جسدي(29) بعض هذه الصور يستند أساسا الى عبارات قرآنية وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وبعضها الآخر يشير من بعيد الى سورة يوسف كدلالة القميص وعبارة راودتني الأميرة لأن بطلة القصة القرآنية زليخا كانت امرأة العزيز فهي ذن ملكة أميرة وكل هذه الالتفاتات أسهمت في خلق صورة شعرية تستند الى معطيات الماضي وتنأى بها وتضيف اليها ، لقد أراد الشاعر أن يفيد من صورة المراودة وتم له ذلك غير أن الصورة لم تنطفئ وتظل حبيسة دلالة الصورة القديمة بل نمت بين يدي الشاعر وتطورت الى الحد الذي غدت فيه هي المضمون الشعري كله المرأة والمدينة والجسد واحساسات الشاعر الخاصة ولكنني لا أطيق الاقامة يلعنني جسد امرأة ويباركني جسد امرأة وأخاف المدينة في سورة مريم قال تعالى وهزي اليك بجذع النخلة يساقط عليك رطب جنيا هذه العبارة تحولت الى صورة شعرية ، لدى شاعرين كبيرين هما السياب والبياتي أحس بأني عبرت المدى الى عالم من ردى لا يجيب ندائي واما هززت الغصون فما يتساقط غير الردى حجار حجار وما من ثمار كانت الآية الكريمة توحي بالأمن والاطمئنان والبركة للسيدة العذراء ولكنها تحولت في قصيدة السياب الى صورة تضج بالردى والجدب صار الرطب الجني حجارا تتساقط فالشاعر اذن تمثل فن الماضي وأعاد صياغته بما يلائم موقفه هو وحالته المفزعة وهنا نشير الى أن السياب يلجأ الى المعنى القديم دون أن يتابع مفرداته ثم يجعل منه صورة تقدم معنى مضادا أو معاكسا بكلمة أدق ألم يجعل من العنكبوت في قصيدته السابقة وسيلة لفضح مكان اختفائف ؟ في قصيدة عبد الوهاب البياتي الموت في الحب تأتي هذه الأبيات أيتها العذراء هزي بجذع النخلة الفرعاء تساقط الأشياء تنفجر الشموس والأقمار يكتسح الطوفان هذا العار نولد في مدريد تحت سماء عالم جديد(30) والبياتي أقرب الى لغة النص الموروث من السياب ، ليس في هذا المقطع من أشعاره وحسب بل في أغلب اشاراته وافادته من معطيات الماضي شعرا ومثلا وأسطورة انه يتابع لغة الماضي عندما يفيد منه ويلاحظ القارىء أن الشاعر منذ عبارته تساقط الأشياء توجه بالمعنى القديم وجهة جديدة هي الطموح الى رؤية المعجزة بصورة أخرى صورة الثورة التي تعم وتكتسح الحاضر الملوث لتبني للانسان عالما أكثر عدالة وجمالا فالصورة الموروثة اذن غدت ركيزة ومنطلقا لصور متطورة تخدم مضمون الكاتب المعاصر وموقفه وفي ديوان الشعر العراقي الحديث العديد من الصور التي تستمد مادتها الأولى من القرآن الكريم ، والتي تتوظف بشكل ايجابي ومتطور يهدف الى اضافة معان جديدة تنسجم مع الموضوع الشعري وتسهم في تطويره واضاءته والكشف عما فيه من دلالات وأفكار (31) أما توجه الشاعر نحو خلق الصورة التي يكون مصدرها الكتاب المقدس فيتصف بصفتين الأولى ان هذه الافادة ترتبط بالرمز الذي استقاه الشاعر مما ورد والثانية في الكتاب المقدس المسيح العذراء العازر بيت لحم ان هذا النمط من الصور - مع شيوعه - يوشك أن يكون تبنيا لمجازات جميلة أو عبارات تستأثر بالاهتمام أو هي اشارة لحكاية، تأتي من قبيل التذكر أو التشبيه ونادرا ما نرى أن لتلك الصور وظائف مهمة أو ايجابية تدفع بالحدث الشعري أو الحالة العاطفية الى النمو والاكتمال وأكثر هذه الصور يكاد يكون مقصورا على مصادر قليلة ومعدودة مما ورد في الكتاب المقدس وأهمها قصة العشاء الأخير التي أخذ فيها يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي (32)وتطالعنا هذه الصورة في أكثر من قصيدة ، ففي المقطع السابع من قصيدة البياتي العرب واللاجئون تأتي هذه الأبيات كنهاية للقصيدة العار للخطباء من شرفاتهم للزاعمين للخادعين شعوبهم للبائعين فكلوا فهذا آخر الأعياد لحمى واشربوا يا خائنون (33) وواضح أن استخدام البياتي للصورة القديمة هنا استخدام ناقص أو هو اقحام للعبارة القديمة التي ينبغي أن تبدو نابعة من العمل الشعري نفسه لا أن تضاف اليه وعبارة السيد المسيح في العشاء الأخير تواجهنا في مواضع عديدة من شعر بدر شاكر السياب ، بل وكأنها اللازمة التي تتكرر من عمل شعري الى آخر وهذا الاهتمام الشديد من السياب بالصورة التي وردت في الانجيل يرجع الى تبني الشاعر لموقف السيد المسيح وأعني به التأكيد على فكرة التضحية والفداء التي رافقت السياب في مرحلة من مراحل حياته والتي تجسدها كلمات المسيح خير تجسيد ولذا فان كافة الصور التي تستند الى تلك الصورة لا تبدو في نتاج السياب متكلفة أو نابية أو بدون وظيفة - كما حصل في أبيات البياتي السابقة - بل صارت جزءا من موقف الشاعر المعاصر ومن موضوعه دمى هذه الخمر التي تشربونها(34)فاملأ لنا في كل يوم وعاء من لحمك الحي الذي نشتهيه (35) دمي ذلك الماء هل تشربونه ولحمي هو الخبز لو تأكلونه (36) ولعل يوسف الصائغ سيكون أكثر الشعراء اهتماما بالافادة مما ورد في الكتاب المقدس فالعديد من صوره الشعرية (37) انما تستقي من ذلك المصدر وتشيع في بناء قصائده بشكل يلفت النظر فقارئ شعره يدرك انه خبر الكتاب المقدس وأطال قراءته ربما كان هذا بسبب النشأة الدينية للشاعر ويبدو في توظيفه لهذه الصورة قريبا من السياب ذلك أنهما يفيدان من الصورة القديمة التي تشير الى موقف أو حالة فهما يتخذان من موقف السيد المسيح موقفا جديدا يقوم على فكرة التضحية أو تحمل الأيام الصعبة ومكابداتها، فقوله في قصيدته رباح بني مازن ففيها على ملأ من ضحى كان صلبي وألبسني جندهم ارجوانا وخلا سقيت ومرا مزجت تقمص لموقف المسيح ومحاولة لخلق موقف مماثل ، وكلمات الشاعر انما انبثق عن العبارات القديمة التي وردت بهذا الشكل فعروه - المسيح - وألبسوه رداء قرمزيا أعطوه خلا ممزوجا بمرارة ليشرب (38)
ويستقي بعض الشعراء صورهم مما ورد في التوراة وفي نشيد الاشاد بالذات وكما شاعت عبارة السيد المسيح في العشاء الأخير في أكثر من مجموعة شعرية تشيع . هنا عبارة حبيبة الملك سليمان شلوميت وتلقي بظلالها على النسيج التصويري لدى أكثر من شاعر ولا تبدو لمثل هذه الصور وظائف ذات أهمية كبيرة في نمو القصيدة أو تطورها انما هي أشبه بالإشارة الى موروث جميل مخزون في الذاكرة وكأنها اعجاب بالكلمات القديمة، أو الأداء الشعري الغزلي لنشيد الانشاد في الليل المقرور طلبت حبيبي(39) أو أسمع صوت حبيبي يدعوني الليلة أستحلفكن بنات البصرة(40) وهذه الأبيات توشك أن تكون كتابة جديدة لما ورد في السفر القديم احلفكن بنات أورشليم صوت حبيبي هو ذا آت في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي فما وجدته (41) واذا كان الشاعر المعاصر يلتفت الى موروثه الأدبي ويتأثر به في مجال خلق الصورة الشعرية فان هذا الشاعر هو ابن الثقافة الحديثة بشتى ضروبها وهو بالتالي كائن مثقف بثقافة عصره هذه الثقافة التي ألقت بظلالها على فن الشعر كله ومنه الصورة الشعرية وأول مظهر من مظاهر الثقافة الحديثة في خلق الصورة هو ما يمكن أن نطلق عليه الصورة الجديدة ويقوم هذا النمط من الصور على التأثر بانجازات الشعر عالمي ليس كافة انجازاته وانما في فهم العلاقات الجديدة التي بدأت الصورة شعرية في خلقها ، فالعلاقات البلاغية القديمة التي كانت تحكم مكونات الصورة من مجاز واستعارة وتشبيه بدأت وكأنها تتفكك اثر نشوء مدارس أدبية حديثة في وربا ، كالدادائية والسريالية التي أصاب الشعر العربي الحديث شيء من أثرها ، وخاصة في مجال رسم الصورة ولذا فان الغرابة والغموض والتوسع في خلق علاقات المجازية التي تنمو وتحكم الصورة صارت سمة من سمات فن الشعر في نتاج كبار شعراء العالم الذين أثروا في عدد غير قليل من الشعراء العرب وسنحاول هنا أن نتلمس ـ باختصار - بعضا من مكونات هذا النمط من الصور الشعرية مقارنين ذلك بما عرفنا من قوانين بلاغية عربية تؤسس للعلاقات اللغوية التي يجب أن تحكم الصورة الشعرية في مجال التشبيه مثلا ينص البلاغيون على أن يكون لوجه الشبه مزيد من لاختصاص في الطرفين سواء أكان التشبيه تحقيقي أو تخييلي ، فقوله تعالى « وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام وهو تشبيه تحقيقي يكون فيه وجه الشبه هو العظم والفخامة في طرفي التشبيه اللذين هما المراكب والجبال ، أما التشبيه التخييلي الذي يكون فيه وجه الشبه قائما بالطرفين أو بأحدهما على ضرب من التأويل والتخييل ومنه قول الشاعر وكأن النجوم بين دجاها سنن لاح بينهن ابتداع فوجه الشبه هنا هو الهيئة الناتجة من حصول أشياء مشرقة بيضاء في جوانب شيء مظلم أسود هو غير موجود في المشبه به الا على طريقة التخييل ويبدو أن النوع الثاني من التشبيه التخييلي هو الأقرب الى تكوين الشعر الحديث ، أما وجه الشبه الحقيقي فنادرا ما يعثر عليه ضمن تكوينات الصورة الشعرية الحديثة وقد لا نغالي اذا قلنا ان القاعدة البلاغية التي تؤكد على أن يوجد لوجه الشبه مزيد من الاختصاص في الطرفين تكاد تكون معدومة والا فأي مزيد من الاختصاص في قول البياتي أحمل قاسيون غزالة تعدو وراء القمر الاخضر في الديجور ووردة يغثو وأبجدية (42) لقد جاء المشبه به في هذه الأبيات على هيئة الحال أي مثل غزالة ووردة وحملا وأبجدية ويقول السياب الليل يطبق مرة اخرى فتشربه المدينة والعابرون الى القرارة مثل اغنية حزينة وتفتحت كأزاهر الدفلى مصابيح الطريق كعيون ميدوزا تحجر كل قلب بالضغينة وكأنها نذر تبشر أهل بابل بالحريق (43) وحين ننتقل من تشبيهات السياب التي تبدو واضحة مع أنها لا تحقق متطلبات القوانين البلاغية القديمة الى بعض من تشبيهات الشاعر العراقي المعاصر ينشر الشك جناحيه كدهليزطويل(44) مهجور كالليل أنا كالصمت أنا مهجور (45) فوقفت هنالك أنظر في أبناء الانسان يعدون كأيام الموتى (46) والريح مكتومة مثل أفعى (47) وجع في دمي مثل حزن المحيط (48) وتخلف وشما مزرقا كعيون القمر المخنوق بحبل الغيم(49) هذه صور شعرية تقوم على الافادة من التشبيه ، ولقد توخينا في اختياره عده التعقيد في التركيب اللغوي ووضوح أطراف الجملة المشبه والمشبه به والأداة ومع هذا فان لنا أن نتساءل عن علاقة التشابه بين أزهار الدفلى و مصابيح الطريق ثم بين أزهار الدفلى و عیون میدوزا و نذر تبشر بالحريق وكيف ينشر الشك جناحيه كدهليز وعلاقة الهجرة بين الشاعر والليل والصمت ثم العدو وأيام الموق التي تعدو وأخيرا الريح التي هي مثل أفعى والوجع الذي هو كحزن المحيط وأين هو وجه الشبه أو المزيد من الاختصاص فيه بين طرفي التشبيه ويتضح من هذه الأمثلة أن الشاعر المعاصر لم يعد يلتفت الى قضية بلاغية من نوع وجه الشبه ، وعلاقة المشابهة المألوفة الواضحة التي يفهمها القارئ ويهتدي اليها بسرعة ، لقد صار همه الأول والأساسي هو خلق العلاقات التي تشير الى الحالة ، أو الموقف ، أو التصور ، وأغلب هذه الحالات انما هي تنبيه من الشاعر الى الجو العام ، العاطفي أو النفسي أو الفكري الذي يريد نقله الى القارئ ، ففي أبيات السياب التي تقدمت اشارة واضحة الى جهد الشاعر من أجل خلق جو تراجيديا لتلك المدينة التي هو بصدد رسم صورتها ولذا رأينا أن التشبيه ينتقل من بيت الى آخر في محاولة لتأكيد الصورة المأساوية للمدينة ، وتشبيه العابرون بالأغنية الحزينة يفصح دون شك عن الصورة البائسة لأناس هذه المدينة المبتلاة وتشبيه مصابيح الطريق الكابية والخافتة التي توحي بالاختناق أكثر مما توحي بالاضاءة انما هو دلالة مأساوية جديدة تتحول فيها المصابيح الى شيء قاتل ومضجر تماما مثل أزاهير شجر الدفلى ذات الرائحة الخانقة المسمومة فاذا كان أناس هذه المدينة مثل الأغنيات التي تثير الأسى ومصابيحها مثل أزاهير الدفلى فان امعان السياب بتطوير التشبيه وجعله يبدو كعيون مشؤومة هو افاضة في خلق المزيد من الاحساس بالفاجعة التي تنتهي الى أن كل ما في هذه المدينة يبدو وأنه « نذر » تبشر بالحريق والرعب والويلات هذا هو الجو التراجيدي الذي يهدف اليه التشبيه الجديد ، والسياب هنا شأنه شأن كل الشعراء الكبار يحاول أن يضع القارىء منذ البدء أمام المناخ الشعري الذي يريد لنا أن نعيشة ، ويبدو أن اهتمام السياب بملاحقة الصور في مطلع قصيدته انما جاء لأنه بصدد كتابة قصيدة قصصية ، ذات حدث وأشخاص وزمن ومكان ولهذا نراه يستفيض بتصوير المدينة ، لأهميتها بالنسبة للقصة ، لأنها مكان وقوع الفعل والحدث ولقد مر بنا أن السياب أفلح في هذا الوصف باعتباره شاعرا غنائيا ولم يفلح في ربط هذا المدخل التصويري بموضوع القصة ، لأنه ليس قاصا مقتدرا مثل هذا يصح أن يقال عن أبيات البياتي التي توحي بالمناخ العام للقصيدة ، أو الحالة العاطفية للشاعر وهي حالة البعد عن دمشق المدينة أو الرمز ثم الحنين اليها والشاعر هنا يريد أن يصور كيف يمكن للمرء أن يحمل معه في غربته حبه و مدينته التي تتحول ضمن الصورة الشعرية الى أشياء حبيبة ومألوفة ودافئة وأثيرة عند الشاعر ستكون قاسيون غزالة ، وردة وحملا يثغو وستكون لغة الشاعر وأبجديته أيضا ولا شك أن سلمان الجبوري كان يهدف الى تصوير حالة الرعب التي يتحول فيها الشك بما يثيره من هواجس مخيفة الى دهليز طويل - أن وجه الشبه بالمعنى البلاغي التقليدي معدوم بين الشك والدهليز لكن صورة الدهليز الطويل المظلم تبدو قريبة في اثارتها الظنون والهواجس الى الشك والتوجس هذه هي الحالة العامة أو الموقف النفسي الناتج عن التشبيه الجديد وحين نتأمل الأبيات الأخرى كلا في موقعه من القصيدة، سنرى الى أي حد وفق الشعراء في خلق المناخ الشعري أو الموقف والحالة النفسية من خلال علاقات المشابهة الجديدة التي تسهم في رسم الصورة الشعرية ولعله من الضروري أن نشير هنا إلى أن الافادة من التشبيه الجديد لدى أغلب الشعراء لم يكن شائعا الى الحد الذي يحكم القصيدة كلها أي أن توظيف هذا النمط من الصور هو توظيف جزئي يرد في هذا الموضع أو ذاك من القصيدة واذا كان الشاعر يتجاوز الحدود البلاغية في الصورة الشعرية التي تقوم على التشبيه ويجعل من علاقاتها القديمة وسيلة لخلق ايحاءات لا غير اذا كان يتم هذا في التشبيه الذي هو أبسط أنواع التراكيب البلاغية المؤدية لخلق الصورة وأضيقها بحكم محدوديته لأنه أدوات ووجه شبه فان الشاعر سيكون أكثر تحررا وتجاوزا حين يلجأ الى الصورة الشعرية التي تستمد عناصرها من الاستعارة والمجاز ، فالاستعارة باعتبارها تشبيه حذف أحد طرفيه وأداته (50) ستكون أصلا على شيء من الرحابة والحرية التي يستطيع الشاعر أن يتحرك من خلالها ويخلق منها صورا تشير الى أشياء بعيدة وربما رؤى غير مدركة لأنها - كما يقول الدكتور مصطفى ناصف - تعتمد على ما في الكلمة من حمل أو خصب كامن (51) ولذا رأينا أن الصورة الشعرية في التراث العربي القديم التي حملت الكثير من مظاهر الجدة والغرابة انما جاءت عن طريق الاستعارات غير المألوفة وليس التشبيهات ومن ثم فقد وصفت بأنها خروج على عمود الشعر أي على الذوق المتعارف عليه والمألوف في الاستعارة أو المجاز أما المجاز فانه أشمل من الاستعارة فاذا كانت علاقة المشابهة من مستلزمات الاستعارة فان المجاز يخلو من هذا الالتزام وسيكون الأسلوب الذي يسمح للشاعر بأن يستخدم ما يشاء من الألفاظ استخداما غير حقيقي لأنه عند البلاغين الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له (52) وربما عد بعض البلاغيين كافة فنون البيان مما يدخل في باب المجاز لسعته ورحابته ، يقرر ابن قتيبة أن للعرب المجازات في الكلام ففيها الاستعارة والتمثيل والقلب والكناية (53) وربما بلغ المجاز من السعة والشمول الحد الذي شمل اللغة كلها ، فابن جنى يرى أن اللغة كلها مجاز (54) من هنا يكون المجاز أسلوبا بالغ الأهمية لدى الشاعر ووسيلة أساسية يستطيع أن يتصرف بها ما شاءت له موهبته وخياله وقدراته أن يتصرف وستكون حريته في خلق الأخيلة والرؤى التي يتيحها له استخدام المجاز لا حد لها ولقد أتاحت للشاعر الحديث ثقافته الجديدة أن يطلع على انجازات الشعراء العالميين الكبار ورأى كيف تتحول الصور الشعرية بين أيديهم الى رؤى غير مدركة بشكل مباشر ، وعرف ـ من خلال تأمله وقراءاته - أن الصورة الشعرية التي يكون عمادها المجاز والاستعارة غالبا ما تغرق في الابتعاد عن المدرك أو الواضح والسهل ، وينتفي فيها الترابط العقلاني لتؤدي بالتالي الى انشاء علاقات بلاغية توحي بالمناخ العام للقصيدة أو الحالة العاطفية التي يريد الشاعر تقديمها غير أن هذه العلاقات التي تنشأ من الاستعارة أو المجاز لكي تخلق الصورة الشعرية ينبغي أن تكون فاعلة في القصيدة وهي وان نأت عن الادراك المباشر والسهل واكتسبت شيئا من الغموض فانه يجب على الشاعر أن يقنعنا بضرورة مجيء مثل هذا النمط من الصور أي توضيح وظيفته داخل الموضوع الشعري. لأنه ليست غرابة الاستعارة أو بعد المجاز وحده فضيلة أو تدليلا على المهارة والثقافة الشعرية فاذا لم يكن لهذه الصور دورها في توضيح الحالات أو تعميق الاحساس بالأشياء فانها ستكون حلية أو زينة مجردة ، زينة شعرية ولكنها غير موضوعية في قصيدة سعدي يوسف نهايات الشمال الافريقي وهي القصيدة التي يتحدث فيها عن شوقه لوطنه أيام كان بعيدا ترد هذه الصورة لماذا تلبس السنوات أحذية رصاصية ؟ (55) هذا المجاز الجديد والذي يبدو جديدا أيضا على لغة سعدي يوسف الشعرية ، التي لم نعتد فيها مثل هذه التراكيب ، يشير الى توجه الشاعر لخلق الصورة ذات الغرابة التي تثير التأمل والتساؤل عن وظيفتها ضمن الحدث العام للقصيدة ، بدءا نقول أن ليس ثمة علاقة منطقية أو عقلانية تربط بين هذه الاستخدامات وما تثيره بذهن الملتقى فهي اذن علاقات لغوية غير مألوفة تهدف الى تصوير احساس جد خاص وتتطلب من القارئ قدرا من المشاركة ، لكي تتضح وظيفة الصورة المهمة في نقل هواجس الشاعر وكان سعدي يوسف نائيا عن وطنه ، وسبع هي السنوات التي قضاها في نأيه ذاك ، كان يدعوها السنوات السبع العجاف (56) وفي غربته كان يحمل معه سعف البصرة و طلعها (57) وكانت الأيام التي تمر به خانقة وهو ان فرح بها حينا فهو فرح يفسده الحنين الذي أخذ ينمو ويملأ روحه وهكذا تكون أيامه ثقيلة ومتراكمة ، وتستحيل الى سنين فهي اذن شيء ثقيل لا بطاق هنا ترتدي السنوات ملابس من رصاص وعلى الأدق أحذية من رصاص واختيار الشاعر أحذية رصاصية انما هو امعان في احتمال الأسى والذل الذي يجعل من الانسان في غربته شيئا يدوسه الزمن الهائل القاسي ، والقارىء اذ يتجاوز صفة الأيام الثقيلة ، فان عبارة الشاعر توحي بالزمن القاتل . أليس الرصاص هو أداة القتل أيضا ؟ وفي شعر شفيق الكمالي - وهو شعر غير مغلق أو غامض عموماً نقرأ هذه الأبيات من قصيدته سيدة الأحزان عناقيد النور تدلت من فجوات خلفها خبب الأيام على جلد الغيم(58)
واذ نغض الطرف عن غرابة هذه المجازات وتداخلها وتشابكها الذي ينمو من جملة الى أخرى ، فاننا نطمح الى تبيين الصورة العامة أو المعنى لأننا نقرأ شعر شاعر والشاعر بشر يتحدث الى بشر كما يقول ورد زورث ، وستبدو عملية البحث عن المعنى عملية شاقة فثمة عناقيد من نور ونحن لا نعرف بالضبط الايحاء أو الدلالة الرمزية لهذه العناقيد والعناقيد تتدلى من فجوات وهذه الفجوات ليست فجوات واقعية أو حسية مدركة وانما هي مما سببه خبب الأيام وخبب الأيام هذه تبدو واضحة لأنها توحي بتعاقب الزمن ولكن هذه الفجوات التي خلفها خبب الأيام لم تكن الا على جلد الغيم وليس على الغيم نفسه ونحن اذ نضطر الى هذه الطريقة في الشرح لتلمس معنى الصورة فاننا نريد أن نوضح الى أي مدى أراد الشاعر أن يجعل منها معقدة ذلك أنه أدخل اللغة في متاهات وممرات مجازية متشابكة والا فنحن ندرك أن أي شرح للصورة هو افساد لها ، لأن الصورة انما تدرك ككل وكحالة وهيئة واذ نترك التفسير فان الشرح يهدينا الى أن الصورة ما هي الا ضوء متساقط من بين الغيوم ليس الا أي أن المشهد عموما هو مشهد غاية في البساطة ولكن الطريقة التي لجأ اليها الشاعر هي طريقة متعمدة تهدف الى اثارة الغرابة المجازية وضروري أن نشير هنا الى أن مثل هذا الاستخدام للمجاز لا ينفع العملية الشعرية لأنه استخدام يبدو عليه التكلف والجهد في محاولة لخلق صورة غريبة انه مهارة شكلية وتعقيد لغوي لرؤى غير معقدة أصلا ومع أن افادة الكمالي من هذا النمط من المجاز الذي يصنع الصورة افادة جزئية وليست شائعة في بنية قصيدته فاننا نرى أن الصورة داخل السياق الشعري تكاد تكون مقحمة ، أي بلا وظيفة ، وهنا تكمن خطورة هذا النوع من الصورة في هذا النمط من القصائد المبنية بناء متصاعدا وناميا ، يقوم على تطور الحدث وتضاد الحالات والمواقف ، والتي ينبغي للصورة فيها أن تمتلك القدرة على السير بالموضوع نحو تماسكه وتكامله ، وسيتضح لنا أن علاقة هذه الصورة بما قبلها وبما بعدها تبدو منبتة ، فما قبلها يتحدث فيه الشاعر عن العشق الذي يهون دونه الصعب اندحري يا ابخرة الموت أمام العشق الأسطوري يهون الصعب ويغدو الهرم الأكبر عهنا منفوشا تنثره أنفاس العشاق عناقيد النور تدلت وما بعدها يتساءل فيه متى يا سيدة الأحزان يقوم الراقد عند جدار الصين أي أن الصورة جاءت وسطا غير قادر على لم شتات المعنيين الأول والثاني وتبدو صورة عبد الوهاب البياتي بغرابتها قريبة في نمط تعقيدها من صورة شفيق الكمالي فالبياتي يقول في قصيدته سيدة الأقمار السبعة ووقفنا تحت الأسوار - المدن الطينية تبكي والصيف الهندي الأحمر فوق جواد الشمس السوداء - وأنت بعيد عني وأنا عنك بعيدة (59) ولعل القارئ سيتساءل عن معنى هذه التركيبة المجازية الصيف الهندي الأحمر فوق جواد الشمس السوداء وسيبحث دون أية جدوى عن الدلالة أو الوظيفة الموضوعية للصورة وفي شعر جيل الستينات يتسع حجم توظيف هذا النمط من المجاز الشعري الذي يصنع الصورة الجديدة وسيكون الالتفات اليه دائما من قصيدة الى أخرى ومن مجموعة لثانية وقاد الاغراق في المجازات المتتابعة الى أن تكون بعض الصور الشعرية على درجة كبيرة من الغرابة والغموض ولعل قصائد فاضل العزاوي وخالد علي مصطفى وصادق الصائغ وعبد الرحمن طهمازي وغيرهم خير ممثل لهذا الاتجاه في رسم الصورة الشعرية البحر في خاصرة الثياب ينحني مقبلا كل مآقي الصخر يبتنى من جمرة المياه منزلا ويعتنى بالعشب خوف الهاجرة (60) وقارئ هذه الأبيات يدرك أن الصورة التي رسمها سعدي يوسف - فيما تقدم لسنوات الغربة هي أكثر وضوحا وبساطة - في التركيب ـ مما يقدمه خالد علي مصطفى الذي يلجأ الى المجازات بشكل متلاحق ومستمر مما يجعل الصورة الشعرية وكأنها رؤ يا ذات لغز خاص لأن المفردات في مثل هذه الصورة انما تتحول الى رموز شعرية وهذه الصورة تعكس حالة مشابهة لحالة سعدي يوسف ، أي أنها ناتجة عن الحنين الى الوطن وتهدف الى السير نحوه ولا يمكن لنا أن نفهم البحر هنا الا بمعنى الوطن الذي يحمله الشاعر معه في طيات ملابسه ، في جلده وروحه البحر الذي يقبل أرضه ويبنى من احتراقه وجمره منزلا للغريب النازح وهو الذي يعتني بكل ما يشير الى الأرض من خصب لأنه يعتني بالعشب خوف الهاجرة واذا كان الاستخدام الجديد للمجاز ينزع نزوعا واضحا الى أن يكون رمزا وبالتالي توشك الصورة الشعرية أن تكون مغلقة في الغالب أي أنها نتاج ذهني خاص يهدف من خلاله الشاعر الى طرح آراء وأفكار معينة ، فان هذه الرموز أو هذه الاستخدامات المجازية ينبغي أن تمتلك القردة على الايحاء وأعني على أن تضيء لأن خيطا من هذه الاضاءة كفيل بأن يخلق المشاركة ويثير لدى القارئ استعدادا لتبني رؤية الشاعر وموقفه ، وبدون هذا الايحاء تظل الصورة معتمة وغائمة مغلقة لا يعرف القارئ ما الذي تريد أن تقوله أو تهدف اليه ولعل رغبة القارئ بتلمس خيوط الاضاءة ستبدو أكثر ضرورة في القصائد ذات الأداء القصصي أو الدرامي لأنها شعر حدث متطور وأشخاص ومواقف لا بد أن تكون على شيء من الوضوح وقصيدة خالد علي مصطفى من ذات النوع ولقد مر بنا هذا في الفصل الثاني من البحث ولعل فاضل العزاوي أكثر شعراء جيله ميلا لخلق الصورة الشعرية التي يكون فيها المجاز غير مألوف وغريبا ، ففي شعره تمحى كافة العلاقات البلاغية وتنأى الدلالات وتختلط الحالات بعضها ببعض غير أن غرابة الصورة في شعره لا تتأتى عن تشابك المجازات أو تعقيداتها ولكن في جدتها تماما ، هذه الجدة التي تصدم القارئ لأنها غير مألوفة ولأنها بالتالي تنتمي الى حرية لغوية أكثر من انتمائها الى شيء آخر هل أحلق لحية أفعالي ؟ أم أطلقها كالأفعى ؟ أحيانا أربط وطواطا في ياقة عنقي أحيانا اصطاد لغات أحيانا أعرف أني رجل مرتبك في غرفة الغاز أحيانا أمسك ذقنا في قارب وأخلف أحزانا في الشارع (61) وحين نتجاوز تأثر الشاعر الحديث بالشعر العالمي في مجال خلق الصورة وايجاد العلاقات البلاغية الجديدة والاتساع في المجاز والاستعار من أجل خلق رؤى وصور تتميز بالحداثة ، فسنجده يتأثر بشعراء أوربيين معينين ، ويتخذ من معطيات شعرهم مصدرا ونبعا يغترف منه ، ذلك ان كثيرا من الصور الشعرية في شعر عدد غير قليل من شعراء العالم قد ألقى بظلاله الواضحة على الصورة لدى أكثر من شاعر عراقي وأغلب هذه الصور يجيء اما على شكل اقتباس وتضمين واما على شكل إشارة عابرة وكأن مبرر وجودها هو الاعجاب الجمالي المحض ، وفي هذه الحالة ستكون مثل تلك العبارات غير فاعلة في القصيدة، أي أن وظيفتها الفنية توشك أن تكون معدومة ، ففي شعر البياتي تتكرر عبارة الرجال الجوف أكثر من مرة (62) والرجال الجوف هي عنوان لواحدة من أبرز قصائد الشاعر الانجليزي ت اليوت "the Hollow Menكما يتكرر عنوان قصيدة اخرى له في شعر البياتي هي اربعاء الرماد (63) Ash Wednesday ويقتبس من ناظم حكمت قوله وأجمل الأشياء ما هو آت ما وراء الليل من ضياء (64) ومصدر هذه الصورة أبيات ناظم حكمت الشهيرة أجمل أيامنا هي التي لم تأت بعد وكما يتكرر قول اليوت في قصيدته أيها التيمز الجميل سر بهدوء حتى أنهي أغنيتي (65) يتكرر هذا البيت في قصيدة البياتي لا تجر يا فرات حتى أكمل النشيد (66) وهو اقتباس تام كما يتضح ، غير أن هذا الاقتباس لم يأت اشارة عابرة ، وانما صار جزءا من موضوع قصيدة البياتي الموت وجيفارا وتحول الى لازمة تتكرر لأن القصيدة تطرح موضوعها من خلال صوت وشخص المغني ونشيده الحزين ان
صورة اليوت الشعرية بدت منسجمة مع أداء البياتي عموما لأنها وجدت لها المناخ والجو الشعري الذي نمت فيه ومن خلاله ومن يقارن بين بيت اليوت وبيت البياتي سيدرك على الفور أن بيت اليوت أكثر جمالا من نظيره عند البياتي ولعل مرد هذا هو اختيار اليوت للهجة الهادئة التي يخاطب بها النهر سر بهدوء وكأن صيغة الأمر هنا خرجت للترجي بينما هي عند البياتي أمر ونهي أضفى على العبارة شيئا من عنف اللهجة واليوت يبدأ حديثه مع النهر بصيغة النداء ويصفه بالجمال بينما يدلف البياتي الى عبارته أمرا وناهيا ولعل القارئ سيدرك الفارق بين الأغنية التي تلائم مسيرة النهر وبين الانشاد أو من ينشد أما بدر شاكر السياب فكثير الافادة في صنع صورة من الشعراء العالميين الكبار ففي شعره نجد أثر اليوت وايديث ستويل وناظم حکمت وغارسيا لوركا وشكسبير وبابلو نيرودا وغوته وربما استقى بعض صوره الشعرية من فنانين غير شعراء كما حصل في رسم صورة دون كيشوت (67) التي استقاها من رواية سرفانتس دون كيخوته وضروري هنا أن نشير الى أن أثر الرواية في صنع الصورة الشعرية يوشك أن يكون معدوما في الشعر العراقي الحديث ولا يحاول السياب أن يكتفي بالاشارة العابرة لافاداته هذه ، وانما يمضي بتعميقها والاضافة اليها أو تحويرها لتبدو منسجمة مع موضوعه الشعري وحالته العاطفية مما يؤدي بالتالي الى أن تكون هذه الصور الشعرية ذات دلالات مهمة في القصيدة ويبدو ان افادة السياب من الشعراء العالميين لأجل صنع الصورة قد بدأت منذ وقت مبكر من عمره هو ومن عمر الشعر الحديث في العراق ففي قصيدته ملال التي كتبها عام 1948 ترد هذه الصورة واكيل بالأقداح ساعاتي (68)ومصدر هذه الصورة هو قول اليوت في قصيدته أغنية العاشق الفريد بروفرك خبرت الأضاحي الليالي الأمسيات كلت حياتي بملاعق قهوة (69) ولعل افادة السياب من هذه الصورة لم تكن في حدود نقل الكلمات أو التركيب البلاغي وانما هي افادة من الحالة العاطفية التي كان عليها بطل قصيدة اليوت وهي الاحساس العميق بالزمن والحيرة وصورة السياب تلك تجيء ضمن مقطع شعري يتضح فيه ذاك الاحساس أيضا لأن المقطع عموما هو حديث عن الزمن المنصرم هباء والذي لا يخلف غير اليأس والاكتئاب ونحن اذ نقرأ قصيدته المهمة أنشودة المطر التي تتحدث عن جوع العراق وفقره وسارقي غلاله ونصل الى هذه الأبيات التي هي : تكثيف وتلخيص للأزمة كلها وكل عام حين يعشب الثرى نجوع ما مر عام والعراق ليس فيه جوع (70) سيتبادر إلى أذهاننا أن هذه الصورة الشعرية المليئة بالأسى انما تصدر عن قول ناظم حكمت في قصيدته الرائعة رسالة الى تارنتا بابو هنا عالم يحير من يراه يموت فيه الناس حين تكثر الغلال(71) وقصيدة ناظم حكمت هذه ترجمها السياب نفسه مع مختارات أخرى من الشعر العالمي وجلى أن السياب لم يستعر من ناظم حكمت صورته الشعرية فقط بل استعارها ضمن موضوعها أيضا أي أنه لجأ اليها مع ما تثيره من مواقف واحساسات وواضح أن موقف الشاعر العراقي هو موقف ناظم حکمت موقف المحتج والرافض لهذا العالم الموحش المقفر الذي يحكمه الطغاة وتجوع فيه الشعوب ويقتبس في قصيدته من رؤ يا فوكاي قول لوركا في قصيدته في نومه والتي ترجمها السياب نفسه وجعل عنوانها أغنية غجرية وفيه يقول وركا أريدك خضراء فالرياح خضر وخضر هي الغصون (72)وترد هذه الصورة ضمن مقطع يكتظ بالإشارات وفيه يقتبس السياب من شكسبير واليوت أيضا أبوك رائد المحيط نام في القرار من مقلتيه لؤلؤ يبيعه التجار وذلك المجلجل المرن من بعيد لمن لمن يدق كونغاي كونغاي أهم بالرحيل في غرناطة الغجر فاخضرت الرياح والغدير والقمر(73) ويشير السياب في هامش قصيدته هذه الى قول شكسبير في العاصفة على عمق أذرعة خمس ينام أبوك في قرارة البحر لقد أصبحت عيناه لؤلؤتين اسمع ها هو الناقوس ينعاه وقد اتخذه اليوت في قصيدته الكبرى الأرض الخراب رمزا لـ الحياة من خلال الموت (74) غير أن السياب يلفت انتباه القارئ هنا الى دلالة يبيعه التجار التي أضافها هو والتي غيرت المعنى ويبدو قول السياب من أيقظ العازر من رقاده الطويل (75) وكأنه صادر عن قول اليوت أيضا أنا العازرآت من الموق (76) وقوله
البحر متسع وخاو لا غناء سوى الهدير(77) ترديد للصورة الشعرية التي وردت في الأرض الخراب والتي يقول فيها اليوت عميق وفراغ هو البحر (78) أما افاداته في رسم صوره الشعرية من شعر ايديث ستويل وغيرها فهي كثيرة وسنحاول أن نشير الى صفحاتها في المجموعة توخيا للاختصار (79) وتتفاوت افادات الشعراء الآخرين من الشعر العالمي لأجل خلق الصورة الشعرية ولعل متتبع الشعر يستطيع أن يشير الى أن أغلب الاقتباسات من الصور الشعرية انما يجيء بشكل عابر أما وظيفته ضمن الموضوع الشعري فتوشك أن تكون معدومة كما حدث في قصيدة فاضل العزاوي تعاليم فاضل العزاوي الى العالم والتي أفاد فيها من قول اليوت تلك الجثة التي غرستها السنة الماضية في حديقتك هل بدأت تنبت وهل ستورق هذا العام (80) وقصيدة سعدي يوسف قصيدة تركيبية للنساء اللواتي يرحن ويغدون في حجرة يتحدثن عن ميكائيل انجلو للنساء اللواتي يطالعن أثوابهن ويلبسن قبل المساء الكتب للنساء اللواتي يداومن في التوك الون للنساء (81)
ولعل القارئ سيتساءل عن القيمة الموضوعية للاقتباس من اليوت قوله في الغرفة النسوة ذاهبات آتيات يتحدثن عن فنان ولوحات (82) ودوره في القصيدة ، هذا الدور الذي يكاد يكون غائبا ولا يبدو الاقتباس هنا الا اعجابا وزينة ومدخلا للحديث الذي سيتراكم ويتكرر عن النساء اللواتي لا تعجبهن الا البهرجة والمظاهر المخادعة يأتي الفن التشكيلي والقصة القصيرة مصدرا آخر من مصادر الشاعر الثقافية الحديثة التي تسهم في خلق الصورة وضروري أن نشير هنا الى أن الافادة من هذين المصدرين ليست شائعة جدا في الشعر العراقي الحديث ، وهي تتأثر بمدى اهتمام الشاعر أو عمق ثقافته وتتبعه وربما ممارسته لهذين النمطين من الأداء الفني. وسنؤجل الحديث عن أثر القصة في رسم الصورة الى موضع آخر من هذا البحث وعندما نتحدث عن أثر الفن التشكيلي فاننا نقصد أن هناك نوعين من الصورة الشعرية التي تفيد منه أولاهما هو النقل أو التأثر بالعلاقات التشكيلية للوحة من اللوحات، بمعنى أن هذه اللوحة تتحول الى خلفية ومخزون تصويري في الذهن يكون باعثا على انشاء صورة شعرية وثانيهما هو خلق الصورة كتشكيل فني يقترب من الرسم والقارئ اذ يتأمل قول البياتي في مجموعته الذي يأتي ولا يأتي كان على جواده بسيفه البتار يمزق الكفار وكانت القلاع تنهار تحت ضربات العزل الجياع(83) فسيتبادر الى ذهنه أن هذه الصورة هي من انجازات فن الرسم ، وان شئنا الدقة فانها من فن الرسم الشعبي الذي غالبا ما شهدنا في الكثير من لوحاته صورا الأبطال أو القديسين الذين يشهرون سيوفهم بأوجه الكافرين أو المارقين وهذه الصورة الشعبية توشك أن تكون تراثا فنيا شائعا في العراق وهي كثيرا ما تزين الجدران وبخاصة في المناسبات الدينية ولعله ليس صدفة أن يسمى البياتي هذا المقطع من قصيدته بـ صورة على غلاف وكأن عنوان المقطع اشارة خفية وضمنية الى مصدر الصورة واذ نقرأ قوله مخاطبا عمر الخيام الظبي في الصحراء كلاب الصيد في المساء والخمر في الاناء فعب ما تشاء بقبة السماء أو قدح البكاء(84) نتذكر على الفور أن هذه الصورة الشعرية هي الموضوع الذي غالبا ما يرد في الرسوم التي تصور الخيام أو في الجداريات التي رسمت عنه فالرسوم الفارسية وغير الفارسية أيضا تناولت موضوع الخيام غالبا ما كانت تظهره ومن حوله ظباء تعدو جارية بينما يكون هو متكئا على وسادة في الفضاء أو قرب شجرة وفي يديه كأس خمر مملوء حتى النصف هذه هي اللوحة الخيامية التي خلفها لنا الرسامون ولم يهمل البياتي منها شيئا سوى عائشة التي تظهر في الرسوم وتختفي في صورة الشاعر وحين يقول سعدي يوسف تطير الحمامات في ساحة الطيران البنادق تتبعها وتطير الحمامات تسقط دافئة فوق أذرع من جلسوا (85) فاننا نعرف أنه استقى هذه الصور من اللوحة الجدارية الكبيرة التي رسمها الفنان فائق حسن وزينت واجهة احدى أكبر ساحات بغداد ساحة الطيران وفي تلك الجدارية تطير أسراب الحمام وتتساقط بين الناس وفي اللوحة نفسها جنود وبنادق وهنا تبدو صورة سعدي يوسف الشعرية وكأنها صياغة جديدة بالكلمات للصورة التشكيلية المعروفة أما النمط الاخر من الافادة في خلق الصورة الشعرية من الفن التشكيلي فانها تأتي وكأنها استيحاء لعلاقات تشكيلية تعتمد الخطوط والمساحات والالوان وكأن الشاعر من خلال هذه الصور في حالة تشبه الى حد بعيد حالة من يحاول أن يرسم والطريق يطول ويغفو على راحة الافق حيث استواء النهايات حيث التلاشي (86) ومن يتأمل هذه الصور سيدرك أن هذا المنظور كما يقول التشكيليون هو منظور رسم ذو أبعاد محددة يحرص على توضيحها الرسامون حيث تمتد الطرق في اللوحات حتى تضيق وتتحول الى نقطة تتلاشى في النهاية التي هي بعد اللوحة الاخير وفي قصيدة شفيق الكمالي سيدة الاحزان ترد هذه الصورة من كحل ذوبه الدمع فسال خيوطا تتعرج مابين الجفن وزاوية الثغر مسارب نمل حنطه البرد (87) ولعل القارئ سيلمس وهو يقرأ هذه الأبيات اهتمام الشاعر بالخطوط والألوان والظلال واهتمامه بتتبع خيط الدمع المشوب بالسواد الآتي من كحل العينين وملاحقة تعرجاته وانحناءاته على الخد بدءا من الجفن وانتهاء بزاوية الثغر ولنا ان نتذكر أن ممر الدمع الذي رسمه الشاعر انما هو الممر الطبيعي
للدموع المتساقطة وهذا يشير بوضوح إلى أن هذه الصورة الشعرية تبدو وكأنه صنعة رسام يعرف أبعاد الخطوط والألوان أو أنها صورة صادرة عن تأثر بفن الرسم على أبسط تقدير وبقدر ما يغتني الشاعر من موروثه الأدبي ، وثقافته الحديثة وتتحول معرفته تلك الى مصدر فاعل ومؤثر في تكوين الصورة الشعرية فان الواقع المعاصر الذي نشأ فيه الشاعر أو عاشه هذا الواقع بكل ملامحه ومشكلاته وصفاته سيكون رافدا جديدا ومصدرا آخر من مصادر الصورة الشعرية الجديدة وعندما نتحدث عن أثر الواقع في خلق الصورة الشعرية فاننا لا نعني اطلاقا نقل هذا الواقع بشكل مباشر وتحويله الى مادة شعرية لأن عملية النقل هذه لا تغني الشعر ولا تسمو به لأنها ستكون في هذه الحالة وصفا لا غير وان ما نهدف اليه من خلال تلمس الصورة الشعرية التي يكون الواقع مصدرا لها هو نظرة الشاعر الى هذا الواقع ، وكيفية الاحساس به وتمثله أو رسم أبعاد جديدة له وبالتالي تحويله الى فن موظف لخدمة العمل الأدبي نفسه أي لخدمة موضوع القصيدة ، وربط هذا الواقع بالحدث نفسه ، وتحمل الصورة الشعرية لمواقف الشاعر وأفكاره ومتتبع الشعر العراقي الحديث سيرى أن الصورة الشعرية التي يكون الواقع مصدرها انما هي في أكثر أنماطها شيوعا محوران الأول هو الريف وما يزخر به من عادات وتقاليد وحياة اجتماعية ، وطبيعية والثاني هو المدينة بتناقضاتها وصورتها الجديدة ومشكلاتها أيضا وهذان المحوران يبدوان متضادين يشيران الى عالمين يناقض الواحد منهما الآخر اذ تشير صورة الريف طبيعة وحياة الى الماضي الجميل والبريء انه الجنة المفقودة التي ضيعها الشاعر أو أرغم على تضييعها ، أما المدينة فهي البديل الكالح والملوث والذي يشير الى الضياع والفقر والتشرد والأزمة ولأن التعبير عن هذين العالمين لا يخلو من نتاج شاعر عراقي واحد ـ فسنكتفي بنماذج قليلة تبين لنا نظرة الشاعر الى واقعه وأثر هذا الواقع في خلق الصورة وارتباطها بالمضمون الشعري ولعل نماذج لبدر شاكر السياب وأخرى لغيره
ستوضح هذه الفكرة بشكل جلي ولو أن امرءا لم يسمع من قبل بشاعر اسمه بدر شاكر السياب ولم يعرف عنه شيئا وواجهناه بمجموعة أنشودة المطر أو أية مجموعة أخرى له لأدرك على الفور أن هذا شاعر ريفي وأن ريفه جنوبي تشيع فيه الخضرة والنخيل والماء والزوارق بل لعرف أيضا نمط حياة أبناء هذا الريف الذي ينتمي اليه الشاعر فقرهم وعاداتهم وتقاليدهم وربما خرافاتهم وحكاياتهم أيضا هذا لأن صورة الريف تطالعنا وتمضي معنا من قصيدة الى أخرى ومن مجموعة لثانية ، ولا يكف السياب عن ترديدها وتلوينها وتحميلها احساساته ومواقفه وأفكاره ان هذا اللقاء بالطبيعة في أغلب قصائد السياب ، لم يكن يهدف الى الوصف المجرد أي أنه ليس ارتماء رومانسيا في أحضان الطبيعة ولا هو زينة تصويرية تمنح القصيدة جمالا وانما يتحول الواقع فيها الى الفعل الشعري نفسه ويصير هو موضوع القصيدة ، وهو احساسات الشاعر الممزقة وأحزانه ولعل قصيدة السياب عرس في القرية ستبين لنا بوضوح كيف يمكن للصورة التي يكون مصدرها الريف والطبيعة أن تسهم في نمو الحدث وبلورة الموقف والفكرة مثلما تنفض الريح ذر النضار عن جناح الفراشة ، مات النهار النهار الطويل فاحصدوا يا رفاقي فلم يبق الا القليل كان نقر الدار بك منذ الأصيل مثل الثمار من رياح تهوم بين النخيل يتساقط مثل الدموع أو كمثل الشرار مثلما تنثر الريح عند الأصيل زهرة الجلنار (88)
وقارئ هذه الأبيات التي هي مطلع القصيدة سينتبه الى دلالة الصورة الشعرية التي تستمد عناصر تكونها من البيئة لأن الصور هنا ليست وصف للطبيعة بقدر ما هي تجسيد لحالة مأساوية وموقف فكري تسهم الصورة في بلورته ، فالشاعر عندما يريد أن يعبر عن انقضاء نهار الفلاحين الطويل فانه يختار الكلمات التي تجنح الى صنع صورة حزينة تنفض الريح ذر النضار عن جناح الفراشة ولماذا عمد الشاعر الى ربط انقضاء النهار بصورة تساقط اللون العابق عن جنح فراشة تحوم الأزاهير ؟ كان هذا ايحاء منذ بدء القصيدة بأن النهار المنصرم هو نهار مأساوي يموت فيه أو يقتل كل ما هو جميل وبريء وملون وامعانا من الشاعر في رسم الصورة الشعرية التي تشير الى الحالة المأساوية أتبع أبياته تلك بصورة أخرى فكان نقر درابك الفرح يتساقط مثل ثمار تلقي بها رياح تجوب نخيل القرية ، هذه الصورة اذن لا توحي بحالة من الحب ولا الفرح ولا تنسجم مع منطق الحدث ليلة العرس لأن الشاعر أو القروي لو كان فرحا حقا بهذه المناسبة ، لما جاء تصويره لـ نقر الدرابك على هذه الشاكلة العاصفة والقلقة وأخيرا سيكون الشاعر أكثر وضوحا وحزنا اذ يخبرنا أن نقر الدرابك يتساقط مثل الدموع لأنه يحس فعلا أن ايقاع الفرح في القرية انما هو بالنسبة اليه ايقاع الموت والبكاء لأن نوار المعشوقة من كافة أبناء الريف، أهل جلدتها وعشيرتها والأقربين اليها ، رفضت أن تتزوج احدهم ورضيت بالتاجر أو الثري أو الاقطاعي وزهدت بهم مقابل خاتم أو سوار وقصر مشيد، من عظام العبيد من رفات الضحايا مئات اللحود اشتراها به الصير في الشقي (89) هنا يتضح لنا موقف الشاعر الفكري الذي حاول ان يقدمه من خلال صورة شعرية كانت البيئة او الطبيعة قوامها ومصدرها أما الصورة الشعرية التي تستمد مكوناتها من بيئة المدينة فنها تشير الى المجون والخوف والرعب والبغي أيضا ولكن لم أر الاموات قبل ثراك يجليها مجون مدينة وغناء راقصه وخمار وأوقدت المدينة نارها في ظلمة الموت (90) وفي قصيدة أخرى هي سهر يقارن الشاعر بين المدينة الزائفة وبين بيئته الريفية الاولى من خلال صور شعرية تشير الى أن كل ماهو بريء تفسده المدينة حتى الحب يتحول الى شيء آخر شيء لا حب فيه أصخت السمع والظلماء حولي بوق سيارة يبث الى البغي رسالة الحب ويؤمن للسكارى أن تعالوا ألف خماره تكشر تفرج الساقين تقطع نومه الدرب بوهوهة النيون أصخت والظلماء صفارة وخطوة حارس فذكرت نهر القرية المكسال يسيل لكي يعيش يمصه الجزر (91) وينتقي سعدي من الصورة الشعرية التي تشير الى حالة الفقر في بعض أحيائها كما في قصيدته صور من باب الشيخ ويرصد ذلك الطفل بطل القصيدة الذي يود أن يشتري شيئا من الحلوى ولكنه لا يستطيع لأن بائعة الحلوى تريد ثمن ما تبيع (92) أما قصائد كاظم جواد فهي فريد في التقاط كافة عناصر الواقع أو البيئة المدينة ونسجها بالتالي صورا شعرية موظفة لخدمة الموضوع الشعري ، ولإدانة السياسة والسلطة والحاكم الجائر الذي يتحول الشعب والوطن في ظل حكمه وحكم سادته الى اشياء وحالات غير انسانية ودجى وشحاذون صرعى قسوة الفقر المرير مهلا وأشباح الخراب كأن أحداق الذئاب مخبوءة فيها وضوضاء الصراصر والذباب وحوائط متأكلات بالنقوش ملطخات کخرائب العهد القديم وعويل أيتام وأكواخ تواكبها البروج (93)وربما كانت قصيدته مشهد أكثر ايضاحا في ادانة السلطة من خلال الصور التي تتمثل الواقع السياسي لأن أبطال تلك القصيدة هم حراس ليليون فهم بهذا رمز للدولة غير أن هؤلاء الحراس ثملون سكارى لا يعنيهم كثيرا أن يذبح انسان في الشارع ولقد مر بنا الحديث عن هذه القصيدة في الفصل الأول من هذا البحث (94)وذهب الذين درسوا أنواع وأنماط الصور الشعرية مذاهب شتى وتحولت الصورة بين أيديهم في أحيان كثيرة الى تقسيمات وتفرعات وصفات منها العنيف والكثيف والجذري والمتوسع والغزير (95) ومنها الصورة السمعية ، والشمية والذوقية واللمسية ويمكن بدورها ان تنقسم تبعا للحرارة والبرودة والنسيج (96) وبعض دارسي الصورة الشعرية يربط بينها وبين مكوناتها اللغوية والتركيبية فينظر الى الصور على أنها اما أن تكون مفردة ، أي تعتمد المفردة وحدها سواء كان ذلك عبر الوصف أو العطف أو صورا قصيرة التي هي جملة التشبيه أو الاستعارة أو تكون صورا طويلة تتأتى بسبب ميل الشاعر الى كتابة القصيدة الطويلة (97) وأغلب هذه الدراسات تنظر الى الصورة الشعرية وكأنها شيء قائم بذاته أو أنه خارج القصيدة وواضح أ أن الصور الشعرية ينبغي أن تدرس على أنها صور في قصائد كما يقول أرشيبالد ماكلش وأن تؤدي ما تؤديه الصور في القصائد (98) ومن هذا المنطلق فان الصورة الشعرية جديرة بأن تدرس كأنماط ترتبط ارتباطاً وثيقا بمهمتها الأولى وهي أنها أداة تعبير ، وما دامت أداة تعبير فهي اما أن تكون فاعلة او غير فاعلة موظفة أو غير موظفة ، ثم ما هي الوظائف التي يمكن للصورة أن تؤديها ضمن البناء الشعري ، بغض النظر عن كونها صورة مفردة أو مركبة ، أو ذهنية ، لأن الانهماك في تقصي مثل هذه الصفات قد يضيع على الباحث جهده في تتبع الصورة وملاحقتها على أنها اداة مؤثرة في بلورة الأفكار والمواقف والحالات التي تثيرها القصائد فنحن اذن أمام نوعين من الصور الشعرية أحدهما الصورة غير الفاعلة ويمكن أن نصفها بصفة اخرى هي أنها صورة منطفئة وعابرة تضيء وتخبو سريعا وقدرتها بالتالي على كشف الموضوع الشعري أو تطويره ضئيلة لأنها غالبا ما ترد على هيئة جملة شعرية تتصف بالجمال والرهافة أو دقة الرصد ، ومع أن مثل هذه الصفات تشير الى قدرة الشاعر وموهبته في خلق هذا النمط من الصور الا أنها تظل أقرب الى كونها حلية شيئا يضيء ولكنها غير دائم الاضاءة لأن فعله ودوره في تماسك البناء الشعري ، والسير به وكشفه دور عابر متعجل أو هو غير مكتمل بتعبير أدق عندما نقرأ قصيدة البياتي الى مؤتمر السلام في برلين
قبعة البحار وعامل المنجم والتلميذ والطيار سرب عصافير على بحيرة النهار وددت لو قبلتهم قبلت كل الناس يا صديقنا البحار(99) فاننا نحس بالصورة التي هي قوله سرب عصافير على بحيرة النهار وكأنها عابرة وليست ذات قيمة كبيرة فهي مقارنة جميلة أو تشبيه يعجب الذين يبحثون عن الصورة كتصوير لا غير لأن هذه اللقطة كانت أشبه بالومض الذي سرعان ما خبا دون أن يخلف أثرا فاعلا في نمو القصيدة فهي عبارة مرت وانصرف الشاعر بعدها الى حديثه الذي يكاد يكون مباشرا حاملا عواطف الشاعر وموقفه ازاء أهل برلين وقارئ قصيدة السياب غارسيا لوركا يدرك أن هذا الحشد من الصور المتراكمة المتتابعة لم ينج القصيدة من الفقر الموضوعي الذي يشيع فيها أي أن الصورة الشعرية ظلت وكأنها جهد شعري لخلق بهاء وصفي وبلاغي لأنها حشد من المجازات والاستعارات والتشبيهات لا غير والا فما معنى هذه الصور شراعة الندى كالقمر شراعة القوى كالحجر شراعة السريع مثل لمحة البصر شراعة الاخضر كالربيع (100) وربما ينساق الشاعر مع التصوير الشعري الى حد بعيد حد ينسيه موضوعه أو جوهر فكرته الأساسي وفي هذه الحالة تتحول الصور الشعرية الى هوى خاص وكأنها تطلب ويبحث عنها بجهد لذاتها ، فتتراكم وتتلاحق دون أن تسهم في تعميق الأفكار وتطوير الموضوع ففي قصيدة السياب رسالة من مقبرة نراه يستفيض طويلا في محاولة لرسم عالمه هو ويدلف من خلال هذا المطلع التصويري الى الفكرة الأكثر اهمية والتي تبدأ من قوله لا تيأسوا من مولد او نشور (101) وفي هذا المفتتح التصويري يحس القارىء ان بعض الصور يغني عن بعض وأن هذه الاستفاضة والموج الداخلي المستمر انما هو انسياق مع جماليات الصورة ونأى عن الموضوع وتبرز هذه الظاهرة ظاهرة الانسياق مع الصور الشعرية على حساب الموضوع، في شعر شفيق الكمالي أيضا فقارئ قصيدته الطويلة سيدة الأحزان (102) يلمس رغبة الشاعر الشديدة في ملاحقة الصور وتوليد بعضها من بعض، وتستطيل هذه الصور وتنمو نموا كبيرا على حساب الأفكار الأساسية للقصيدة ولذا فان القارئ سيلاحق التصوير الشعري وربما يعجب به وينساق هو الآخر وراءه وفي النهاية يدرك ان الأفكار المهمة أو المواقف والموضوعات التي يريد لها ان تتكشف صارت غائمة بل وضائعة وكأن الاهتمام بالصورة وتصيدها اسهم في خلق جو ضبابي يغلف الموضوع او يجعل الاهتداء اليه متعبا واذ نقرأ قصيدة حسب الشيخ جعفر الدورة او قصيدته الاقامة على الأرض فان لنا ان نتساءل عن وظيفة الصورة الشعرية في قوله يبكر منتظرا باصه الراقصات الكئيبات يغرقن في النوم هل تأخذ الزينة الآن خادمة تمسح الأرض في مكتب مثقل بالملفات ؟ في المطعم المتواضع يوصي على قدح عند مائدتي(103) وواضح ان الشاعر بتحدث عن نفسه ، والقصيدة تكتمل من خلال شخصية اخرى أيضا هي مهرج السيرك الذي يبكي كلبته الميتة ولكن ما دلالة الصورة التي تعنى بالراقصات الكئيبات وتلك المرأة الخادمة ؟ أهي من قبيل التداعي ؟ او التقابل بين من ينهض مبكرا وبين من يغرق في النوم ويتأخر ؟ وقارئ قصيدة الدورة يدرك على الفور أن ذكر الراقصات والخادمة الذي ورد في مطلعها هو ذكر عابر وبلا وظيفة ، لأن الراقصة والخادمة ليستا من اشخاص القصيدة ، ولم يذكرهما الشاعر غير هذه المرة الوحيدة وهنا تبدو الصورة بلا مهمة او دور يدفع الحدث الشعري او موضوع القصيدة الى الاكتمال اما عبارته التي تتكرر في قصيدته الاقامة على الأرض اهدأي عند جرفك أيتها الموجة فتبدو صورة مقحمة ، داخل الموضوع ، صورة تتكرر دون ان يكون لها فعل واضح يربطها بمجمل أفكار القصيدة (104) أما النمط الآخر من الصورة الشعرية فهو النمط المغاير لما مر بنا من أمثلة انه النمط الفاعل الذي يؤدي وظيفته الفنية في القصيدة ويتحول الى اداة تطور المعاني وتكشف الموضوع وتبلور الحالات والمواقف وهذا النوع من الصورة الشعرية هو الأكثر اكتمالا وأهمية وبه تتحول الصور الى نسيج شعري لا تقوم القصيدة بدونه او انها بدون هذه الصور ستتفكك وتتهدم ، وتضيع قيمتها ومعناها لأن هذه الأداة صارت صلب القصيدة وغدت هي الموضوع الكلي والأثر الذي يريد الشاعر أن يوصله لقارئه ولعله من الصعب ان نتلمس لهذا النمط من الصورة الشعرية وظيفة ضيقة ومحدودة جدا كأن نقول ان لهذه الصور دورا في تعميق الاحساس العاطفي او المشاركة الفكرية أو لتطوير الحدث داخل القصيدة ولرسم الشخصية بشكل متكامل او هي للتكثيف وللايجاز وكأنها بدائل موضوعية ، ومع أن هذا كله يمكن أن يتكشف كوظائف للصورة الا اننا نرى ان لكل صورة أو لمجموعة الصور وظيفتها التي تنبثق من القصيدة نفسها من موضوعها حدثها موقف شاعرها وما يريد ان يطرحه وبمعنى آخر ر فاننا لا نريد أن نعمم هذه الوظائف على الصورة الشعرية ولا أن نفتح عناوين أو أدراجا ثم نحشر فيها ما تتسع له بل نحاول ان نشير الى الصورة الفاعلة الموظفة واكتشاف تلك الوظيفة من العمل الشعري نفسه خلال في قصيدة بدر شاكر السياب المومس العمياء ترد هذه الصورة التي هي لوصف المومسات أو لموقفهن من الرجال المترددين على بيوت الخطيئة وكأن ألحاظ البغايا ابرتسل بها خيوط من وشائع في الحنايا وتظل تنسج بينهن وبين حشد العابرين شيئا كبيت العنكبوت يخضه الحقد الدفين حقد سيعصف بالرجال (105)والمومس العمياء قصيدة حدث وأشخاص ولكي يكون الشاعر موفقا في ابراز صورة الشخصية الشعرية فان عليه من الجانب الآخر أن يكون أكثر دقة واستبطانا لهواجس الشخصية ومع أن السياب كان هو المتحدث في هذا المقطع ، أي أنه يصور من الخارج ولم يجعل بطلاته ينطقن الا أنه كان ذا وعي بالغ في رصد حالة المومسات وتعميق احساس القارئ بالمشكلة التي هي كارثة اجتماعية . فلجأ الى تصوير أعين أولئك النسوة مقارنا بين حركتها في البحث عن الزبائن وحركة انسلال الخيوط من الابر تلك الخيوط التي تغزلها الروح الجريحة المنكسرة ، لتنسج بالتالي بين المومس والزبون شيئا كبيت العنكبوت واهيا قابلا لأن ينقطع بسرعة لأن علاقة الزبون بالمومس انما هي علاقة زان وزانية ، بائعة وشار ليس الا ولذا فان هذه العلاقة لا تخلو من منفعة مشوبة بالحقد ، حقد المومس على الزناة انها تأخذ منهم ولكنها تود لو ان عصفا يمحقهم كلهم أليسوا هم سبب المأساة ؟ والاداة التي حولت المرأة البريئة الى عاهرة ؟ هكذا تتحول الصورة الشعرية الى موقف نفسي وفكري ورصد هو غاية في المهارة لهواجس البطلة في القصيدة نفسها يرسم الشاعر ملامح شخصية أخرى تسهم بنمو القصة وتطور الحدث تلك هي بائع الطيور الذي يجوب الحي القريب من بيوت البغاء هذا البائع يمر بمعطفه الطويل وقبضتاه تتراوحان فللرداء يد وللعبء الثقيل يد وأعناق الطيور مرنحات من خطاه تدمي كاثداء العجائز يوم قطعها الغزاة (106)والصورة الشعرية التي في هذه الأبيات لا تتعلق ببائع الطير وانما هي تصوير للطيور المذبوحة ونتساءل كيف شبه الشاعر أعناق الطيور الدامية بأثداء العجائز التي قطعها الغزاة المحتلون ؟ ومن اين تأتي له هذا التشبيه النادر الذي لا يخطر على بال أحد لأن العلاقة أو وجه الشبه بين طرفي التركيب ليس مألوفا وأخيرا لم هذه العناية الفنية والاهتمام الشعري بمشهد طيور مذبوحة معروضة للبيع ؟ ولكي تتضح وظيفة الصورة وتتضح علاقة المشابهة فان علينا أن نراجع قصيدة المومس العمياء وننظر اليها كموقف شمولي ، وليس كقصة امرأة سقطت في الوحل والنظرة الفاحصة الى القصيدة كموقف موحد وشامل تؤكد ان المومس العمياء هي صرخة اجتماعية وموقف سياسي قبل اي شيء آخر وهي ادانة لفكرة الاحتلال والغزو التي تشيع في القصيدة كلها ، ألم يقل الشاعر في موضع آخر من قصيدته هذه والله - عز الله – شاء أن تقذف المدن البعيدة والبحار الى العراق آلاف آلاف الجنود ليستبيحوا في زقاق دون الأزقة اجمعين ودون آلاف الصبايا بنت بائعة الرقاق تلك الشقية ياسمين (107) اذن فان صورة الغزاة لم تبرح ذاكرة الشاعر وصارت محورا تقوم عليه القصيدة بل ان بعض أشخاصها وان بدوا بعيدين عن الغزاة أو المحتلين كالاقطاعي قاتل أبي الفتاة المومس الا أنهم ينتمون بشكل أو بآخر الى عالم الاحتلال والغزو الذي يخلق حكاما عملاء واقطاعيين جبابرة يملكون الأرض والمال الذي هو من عظام العبيد كما يقول الشاعر في قصيدة أخرى من هنا تصير الطيور المذبوحة كأثداء العجائز صورة شعرية ذات دلالة عظيمة وذات وظيفة شعرية بالغة الخطورة وبدونها سيبدو المقطع باهتا غير مثير لأن الصورة الشعرية هنا تحولت الى جزء فاعل ومؤثر في الموقف الفكري للشاعر وغدت الصورة هي المضمون وهي الفكر في شعر بدر شاكر السياب العديد من الأمثلة التي تواجه القارئ في القصيدة تلو الأخرى لهذا النمط من الصور الشعرية والتي تتراكم أحيانا وتتلاحق لتؤدي شتى الوظائف التي تسهم في خدمة موضوع القصيدة ولعل عناية الشاعر بهذا النمط من الصور هو الذي جعل نتاجه شعرا من الطراز السامي في الشعر العربي الحديث ونلتقي بقصيدة عبد الوهاب البياتي الى انا سيكرز وندرك ان الصورة الشعرية صارت هي الفكرة وهي الموقف أيضا وفي هذه القصيدة يعمد البياتي الى الصور المتلاحقة بالتكرار دم على الأشجار على جباه الحرس الأسود والأحجار على عيون القمر المصلوب في الجدار على المصابيح على الأزهار على زجاج عربات النوم في القطار(108) كان البياتي يطمح الى تقديم صورة مأساوية للعالم ، بكل مخلوقاته وأشيائه كان موقف الشاعر هو أن يشير الى أن العالم ملوث يرشح دما وموتا ولقد تم للشاعر أراد ان يصوره لأن هذه الصور الشعرية التي تعمد تكرارها هذا التكرار الماهر أضفت الشكل الفاجع لعالم قاحل مجدب يحكمه طغاة وسفاحون وقتلة ، وكانت وسيلته الى رسم الفكرة وبلورة الموقف هذه الصور المتلاحقة التي تنهض بالمهمات الموضوعية ولنا ان نتساءل عما اذا كان البياتي قد قرأ أبيات اليوت في مسرحيته مقتلة في الكاتدرائية ام لا ؟ لأن العلاقة بين هذه الأبيات وأبيات أليوت واضحة فصرخة البياتي الحزينة التي تصور فساد كل شيء وتلوثه بالدم تشبه الى حد بعيد ما ورد في مسرحية الشاعر الانجليزي من قصيدة تطلقها الجوقة بعد موت توماس بيكت رئيس الأساقفة مطعونا بحراب جند الملك الأرض فاسدة الماء فاسد نحن ووحوشنا قد تنجسنا بالدم سيل من الدم أعمى عيني آه بعيدا بعيدا في الماضي وأنا أتجول في أرض من الأغصان المجدية اذا كسرتها سال دمها أرض من الحجارة الناشفة اذا مسستها سال دمها هل أستطيع أن أنظر ثانية الى النهار وأشيائه المألوفة وان أراها جميعا ملطخة بالدم خلال خمار من الدم المتساقط(109) في قصيدة بلند الحيدري حوار عبر الأبعاد نقرأ هذه الأبيات التي تأتي على لسان بطل القصيدة أصرخ بهم قد كذبوا فليس بين الزيف والحقيقة الا دم جف على الأسفلت من سنين جف فلن يذكره الجرح ولن تعرفه السكين أصرخ بهم غدا اذا مر بنا الصبح ستلتقي السكين والجرح وبقعة الدم التي تحملها أحذية العابرين (110)وأبيات بلند هذه هي بدء القصيدة ، أي بدء الحدث الشعري ووظيفة الصورة الشعرية هنا يمكن أن نطلق عليها صفة التكثيف أو التلخيص للقضية الموضوعية كلها كما انها تشير الى البطل وشيء من خصوصياته فبطل القصيدة من خلال هذه الصور انما هو بجانب الحقيقة والآخرون القتلة هم الزيف وان هذا الجريح المحكوم ينتظر الغد الآتي حيث تتكشف خيوط المأساة ويلتقي السكين بالجرح والقاتل بالقتيل وسيحمل معه شهادته ودمه المسفوح المراق على الأسفلت والعالق بأحذية العابرين هنا تتحول الصورة الشعرية الى أداة تنهض بمهمة تلخيص الحدث وتكثيفه وتضع القارئ منذ بدء القصيدة أمام المناخ الموضوعي الذي سيعيش فيه مناخ الاتهام والقتل والحق الضائع ولعل كثيرا من صور يوسف الصائغ (111) وحسب الشيخ جعفر تنمو ويتولد بعضها من بعض لتشكل بالتالي لوحات أو صورا كبيرة يتجاوب في داخلها عدد من الصور الشعرية الصغيرة تهدف مع عناصر التعبير الأخرى الى اشاعة مناخ أسطوري أو غلالة أسطورية تغلف القصيدة وقد يفيد الشاعر اضافة الى الصور من الحدث الأسطوري القديم ، أو بعض ما ورد فيه لكي يتم له اضفاء ذلك المناخ على قصيدته : أجنو على أعتاب كل معبد يوقد فيه الكهنه نيرانهم وتلتوي سحائب البخور وفي لهاث الوحل الفائر والجذور يزدحم الموتى وقد تدثروا بالريش بين يدي ايريش أجثوا لديها صاغرا أسألها المرور وعبر كل حائط أو باب يفتح من أبوابها السبعة تلتف ذئاب الريح(112)هنا يلجأ الشاعر الى انتقاء المفردات التي تسهم بتكوين الصورة الشعرية لابراز الأجواء الأسطورية وللايحاء بالمناخ العام الذي تكتمل القصيدة من خلاله ، فعمد الى مثل هذه التراكيب معبد يوقد فيه الكهنة سحائب البخور الوحل الفائر الموتى يدثرون بالريش المرور عبر الأبواب وكل هذه الصور هي من معطيات الأسطورة لغة وأحداثا ولنا هنا أن نشير الى أن بدر شاكر السياب في قصيدته مدينة بلا مطر كان رائدا لمثل هذه الصور الشعرية التي تسهم في اضاءة الجو الأسطوري للقصيدة ، أو تقديم القصيدة التي تعنى بالواقع المعاش وتحيله الى أسطورة لشد ما فيه من غرابة ودهشة ولقد مر بنا حديثنا عن هذه القصيدة في فصل الأسطورة والرمز واذا كان حسب الشيخ جعفر يعمد الى خلق الصور التي توظف لابراز المناخ الأسطوري للقصيدة وربما أفاد من بعض معطيات الأساطير اللعوية والفنية (113) فان أثر الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي سيكون أكثر وضوحا وأوسع حجمها ومن يقرأ القصيدة مرثية الى عائشة وقصائد عديدة أخرى من مجموعته الموت في الحياة سيجد أن أغلب الصور الشعرية تبدو وكأنها صياغة جديدة المعطيات فن أسطورة هبوط عشتار الى العالم السفلي ولما ورد من قصائد عراقية قديمة في ملحمة جلجامش وخاصة تلك الأجزاء التي تتعلق بقصة العالم السفلي بالذات ولا نود أن نستفيض بتتبع أثر الأسطورة على الصورة الشعرية في نتاج البياتي . وسنكتفي بإيراد مثال واحد ، تجنبا للاستطراد والافاضة يقول البياتي رأيت رؤيا كانت السماء ترعد فاستجابت الأرض لها - سحابة من نار نسرا بلا أظفار أحمد أنفاسي وعراني من الثياب كسا يدي بالريش والأصداف فأصبحت يدي جناح طائر مجداف مددتها فقادني النسر الى حارسة الأموات حيث الملوك نزعت تيجانهم وكدست وحيث الأبواب تفتح أو تغلق حيث أسد التراب طعامه الطين وقوت يومه اليباب وتقول الأسطورة على لسان أنكيدو مخاطبا صديقه جلجامش واصفا له العالم السفلي يا خلي رأيت الليلة الماضية رؤيا كانت السماء ترعد فاستجابت لها الأرض وعندما كنت واقفا ما بينهما ظهر أمامي فتى مكفهر الوجه كان وجهه مثل وجه طير الصاعقة زو
ومخالبه كأظفار النسر
لقد عراني من لباسي
وأمسك بي بمخالبه
وأخذ بخناقي حتى خمدت أنفاسي
لقد بدل هيئتي فصار ساعداي مثل جناحي طائر مكسوتين بالريش ونظر الي وأمسك بي وقادني الى دار الظلمة الى البيت الذي لا يرجع من دخله الى البيت الذي حرم ساكنوه من النور حيث التراب طعامهم والطين قوتهم شاهدت الملوك والحكام ورأيت تيجانهم وقد نزعت وكدست على الأرض (114) من هذا النص يتضح لنا أن الشاعر المعاصر لم يكتف بالحدث الأسطوري ولم يكتف بالمعاني العامة التي تثيرها الصور الشعرية القديمة وانما أمعن في تتبعها ، وتسلسلها ملتفتا أدق الالتفات الى مكوناتها الداخلية من مفردات بعينها وتشبيهات واستعارات ومجازات ونقلها نقلا يوشك أن يكون تاما وبدا عمله في أغلب أجزاء مرثية الى عائشة وكأنه ترتيب خاص للصور الأسطورية بما يناسب الايقاع والموسيقى والواقع ان بامكان القارىء المتأني ان يتابع صور هذه القصيدة والمجموعة الشعرية كلها من خلال الصور الشعرية التي وردت في الأسطورة وفي ملحمة جلجامش وسيكون من السهل عليه أن يرد الصورة تلو الأخرى الى كلمات الشاعر العراقي القديم لأننا بعد تلك الأبيات مباشرة سنجد فيضا آخر من الصور يشير بشكل واضح الى علاقته بصور تلك القصائد القديمة(115) ومع اهتمام السياب بتوظيف الأساطير في عدد كبير من قصائده فانه لا يلجأ نقل الصورة الشعرية من الأسطورة حقا ان السياب قد يلتفت الى المعنى العام للصورة القديمة والحدث القديم، وربما اختار للغته شيئا من معطيات لغة الأساطير كما حدث في قصيدته ( مدينة بلا مطر ) (116) الا أن اقتفاء التركيب الداخلي للصورة الشعرية القديمة كما ورد عند عبد الوهاب البياتي يبدو نادرا ، فسوى قوله وتموز تبكيه لاة الحزينة ترفع بالنواح صوتها مع السحر ترفع بالنواح صوتها كما ننهد الشجر تقول يا قطار یا قدر قالت ـ اذ قتلته ـ الربيع والمطر (117) الذي يشير الى نواح لاة أم تموز بطل الأسطورة البابلية ، كما جاء في المرثية القديمة
ترفع صوتها بالنواح اذا فارق الدنيا
ترفع صوتها بالنواح قائلة واولداه
ترفع صوتها بالنواح قائلة اواه یادامو (118)
سوى هذا لا يجد الباحث نقلا مباشرا وتاما للغة الأسطورة في صنع الصورة الشعرية ويلاحظ هنا ان توظيف السياب للغة الأسطورة في أبياته تلك كان محددا وضيقا أيضا ، أعني أنه أفاد منها لصنع صورة سرعان ما تجاوزها وانصرف الى موضوعه الذي نأى لغة وصورا عن معطيات ذلك المصدر أما الشعراء الذين يشع في نتاجهم الأداء القصصي فان الصورة الشعرية ستتأثر الى حد كبير أيضا بأسلوب القصة ، وستوظف لخدمة الموضوع القصصي أو ما تتطلبه القصة ، ولعل أبرز ميزة للصورة في مثل هذه القصائد . هي أنها ستكون صورا طويلة - اذا صح التعبير - أو هي صور ممتدة ومتلاحقة يتولد بعضها من بعض وهذا الامتداد في الصورة ناتج عن اهتمام الشاعر بملاحقة جزئيات قصيدته كتطور الحدث شيئا فشيئا أو محاولة استكمال كافة ملامح الشخصية القصصية کفان جامدتان ابرد من جباه الخاملين وكأن حولهما هواء كان في بعض اللحود من مقلة جوفاء خاوية يهوم في ركود كفان قاسیتان جائعتان كالذئب السجين وفم كشق في جدار مستوحد بين الصخور الصم من أنقاض دار عند المساء ومقلتان تحدقان بلا بريق وبلا دموع في الفضاء في هذا المقطع يتضح لنا اهتمام السياب بملاحقة جزئيات الصورة الشعرية فهو لم يشأ أن يكتفي بأن يقول ان كفي حفار القبور جامدتان وباردتان بل تعمد أن يمتد بالصورة الشعرية استكمالا للمزيد من صفة البطل فاتبعها بالعبارة وكأن حولهما واذ يفرغ من صفتي الجمود والبرودة فانه ينتقل الى ميزة أخرى يراها تميز كفي بطله تلك هي القسوة والجوع بعد هذا يعرج على وصف الفم والعينين اللتين هما بلا بريق أو دموع هنا تبدو عناية الشاعر بتوليد الصور وتراكمها واضحة وكل هذا السبب واحد هو رسم الشخصية القصصية وتوضيح ملامحها هذا التوضيح الذي يتطلب الاسترسال في التصوير كتعويض عن السرد في القصة النثرية وحين نقرأ قصيدة سعدي يوسف عبور الوادي الكبير على باب جيان في قرطبه رآه الندى يدخل المسجد المتوحد في آخر الليل كان الندى خصلا في جبين المسافر .
والليل أغماضة في عيون الجواد وكانت نوافذ قرطبة المشرئبة بالورد تنتظر الخطوة الملكية (119) نحس أننا أمام شاعر قاص يعنى بالصور المتلاحقة التي تؤكد على جزئيات المكان والزمان اضافة الى صفة الشخصية وما اهتمام سعدي يوسف بتصوير الليل والندى والجواد الا لاستكمال كافة عناصر المشهد الذي هو مدخل لحدث قصصي أما أشعار حسب الشيخ جعفر وأغلبها مما ينتمي الى الأداء القصصي في الشعر فنلمس فيها الصور الممتدة والمتعاقبة التي تأتي لايضاح جزئيات الفعل الحدث والحركة وتشير الى الخطر المتباعد أعرفه أتبينه أحيانا والريح تولول في العمق الليلي والمحه يتجول منفردا يستوقفه وهج في نافذتي حذرا يدنو أتبين تحت عمود الضوء ملامحه ويحدق في وجهي يتبسم لي ويواصل نزهته في تجوالي الليلي أصادفه في معطفه المتخافق أسأله (120)ولعل تكريس حسب الشيخ جعفر للقصة في قصائده تكريسا تاما جعله يتجه في افادته من الشعر العالمي اقتباسا أو اشارة أو تضمينا الى انتقاء بعض الصور الشعرية ضمن حدثها ، فغالبا ما ترد اشاراته مصحوبة بالمناخ الشعري العام الذي استقى منه أي أنه لا ينقل الجملة الشعرية أو الصورة الصغيرة انما يفيد من النص بأشخاصه وحدثه
في قصيدته عين اليوم يلتقي القارئ بأبيات من فاوست لغوته يقود فاوست أواه أعرف هذا الطارق انه تلميذي، الآن يجيء هذا الجلف فينغص علي مناجاتي للأرواح ويقضي على أبهى ساعات عمري ويدخل واغنر تلميذه ويقول هفوا معذرة سمعتك تنشد شيئا بفصاحة وبيان فما شككت أنك تطالع في مأساة اغريقية وبودي أن أحصل القليل من هذا الفن ويقول فاوست مع نفسه في مكان لأخر ولعمري أليس ترابا ما على هذه الرفوف العديدة من الأسفار التي ضاقت بها الغرفة وضاق بها صدري وليست سوى سقط متاع ومجموع سخافات لا طائل تحتها (121) هذا النص سيتحول في قصيدة حسب الشيخ جعفر الى مجموعة من الصور الشعرية التي تنمو من خلال الحدث والأشخاص والمواقف وسيطالعنا في القصيدة بهذا الشكل ها أني أفتح بابي مضطربا ، فأنا أتوهم أحيانا صوتا أو وقع خطى ، عفوا لا أملك في بيتي الا هذا الصندوق العاري وأنا أستخدمه لي منضدة أو أودعه أسفارا من جلد بال وصحائف يكتب فيها عن أتباعي وأحاول أن أتبين أوجههم هذا وجه في سحنته أتذكر حيرة وجهي في الطرقات يطرق بابي أعرف هذا الطارق تلميذا من أتباعي الآن يجىء الجلف ينغص سهرتنا ويبدد أبهى ساعاتي ، لكني حين أعود أرى شباكي مفتوحا والغرفة خالية تتأوه فيها هبات من ريح لكن ماذا يبغي مني المتطفل أسفاري تتراكم فوق رفوفي أتربه ، أوراقي سقط متاع مبتذل لا طائل فيه معذرة أستاذي كنت أقلب في كتبي وسمعتك تنشد شيئا قلت لعلك تقرأ في سفر اغريقي مأساوي ، وبودي أن أتعلم هذا الفن ، أتعرف ؟ بعد قليل يعلو صوت الديك ويرحل آخر أشباح الموتى في ضوء الصبح سأطفئ مصباحي (122) من هنا يتضح أن كلمات غوته لم تتحول في قصيدة حسب الشيخ جعفر الى صور شعرية وحسب وإنما صارت حدثا وشخوصا وحوارا وغدت جزءا مهما وفاعلا في نمو قصيدة الشاعر وما كان مجيء حدث فاوست في قصيدة الشاعر المعاصر الا لأنه بصدد حالة موضوعية تنسجم معها كلمات فاوست أشد الانسجام لأن بطل قصيدة عين البوم يعيش حالة شبيهة بحالة بطل غوته فهو مثله وحيد يتأمل أشياءه الخاصة بينما يفسد عليه وحدته وتأملاته أصوات وأشخاص وأشباح ومن هنا يبدو أن التفات الشاعر المعاصر وافادته من غوته لم تكن عبثا أو هي حلية جمالية زائدة انما هي لقاء موضوعي يهدف الى تعميق الحدث واغناء القصيدة وبهذا الوعي تجيء أغلب افادات الشاعر في خلق الصور والاحداث من الشعراء والادباء الكبار كسترو نيبرغ الكساندر بلوك ودانتي(123) واليوت ولوركا وهلدرلن وريلكه(124)
________________
(1) الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، الطبعة الأولى دار الثقافة للطباعة والنشر بالقاهرة 1974 ص7.
(2) الشعر كيف نفهمه ونتذوقه اليزابيث درو ترجمة محمد ابراهيم الشوش مكتبة منيمنة ، بيروت 1961 ص 59
(3) مقالات في النقد الأدبي اليوت 8
(4) شعراء المدرسة الحديثة روزنتال 33
(5) الحياة والشاعر ، سيندر 104
(6) ديوان السياب 1/81 وينظر 1/13
(7) ديوان البياتي 1/3
(8) نفسه 1/100
(9) ديوان السياب 1/101 وينظر 1/ 19
(10) أنشودة المطر 197 وينظر 41 ، 55 ، 94 ، 98
(11) رحيل الأمطار 153
(12) المجموعة الكاملة لشاذل طاقة 293
(13) أنشودة المطر 201
14- أنشودة المطر 173 وينظر أيضا 27، 41، 55، 66، 87، 98، 187، 188، ومنزل الاقنان 82 والمجموعة الكاملة لشاذل طاقة 325، 345
15- أنشودة المطر 138 وينظر 98
16- ديوان البياتي 2/409
(17) تشريح المسرحية ، مارجوري بولتن ، ترجمة دريني جشبه ، مكتبة الانجلو المصرية 1962 ، ص 223
(18) ديوان البياتي 2/321وينظر أيضا 1/307
(19) ديوان البياتي 1/283
(20) هموم مروان وحبيبته الفارعة 15
(21) تنهدات الأمير العربي 96
22- هموم مروان وحبيبته الفارغة 7-8 وينظر تنهدات الامير العربي 40، 44، 47، 51، 55، 63، 75، 76
23- تنظر على سبيل المثال المجموعات الاتية سفر بين 70 ، 71 وجنون من حجر 51 ، وخيمة على مشارف الاربعين 114، 115 ونخلة الله 9، 11، ورماد الفجيعة 9، 21، وقراءة ثامنة 7، 10، 14، 16 وزيارة السيدة السومرية 104وموتى على لائحة الانتظار 10 14
(24) اعترافات مالك بن الريب 5 وتنظر الصفحات6 ، 10 ، 27 ، 37 ، 38 ، 40، 46، 47، 73
(25) تنهدات الأمير العربي ،88 ، وينظر هموم مروان وحبيبته الفارعة 47
(26) ديوان الأغاني الغجرية 76
(27) رماد الفجيعة 27
(28) أنشودة المطر 113
(29) ديوان الأغاني الغجرية 67 - 68
(30) ديوان البياتي 2/340
(31) ينظر الخيمة الثانية 104 - 105 وخيمة على مشارف الأربعين 129 - 130
124، 120، 121، 119 واعترافات مالك بن الريب 47،47 ، 67، 76 ، 92 ،
والشجرة الشرقية 10، 13، 16، 39 ، 45
(32) الكتاب المقدس انجيل متى الاصحاح السادس والعشرون 26
(33) ديوان البياتي 1/617
(34) أنشودة المطر 43
(35) نفسه 79
(36) نفسه 105 111 ، وينظر ( سلاما أيتها الموجة ) 42 ونخلة الله 18
(37) اعترافات مالك بن الريب 15، 55، 82، 83، 86، 98
(38) الكتاب المقدس انجيل منى الاصحاح السابع و والعشرون 29
(39) تنهدات الأمير العربي 53
(40) اعترافات مالك بن الريب 49
(41) الكتاب المقدس نشيد الانشاد الاصحاح الثاني 7/8 والاصحاح الثالث 1
42- ديوان البياتي 3/11
43- أنشودة المطر 179
44- ملامح من العصر المتكبر 8
45- رحلة الحروف الصفر 39
46- الاسفار 9
(47) جنون من حجر
(48) أين ورد الصباح 35
(49) تنهدات الأمير العربي 80
(50) کتاب سر الفصاحة د عبد الرزاق أبو زيد 104
(51) الصورة الأدبية 125
(52) مفتاح العلوم السكاكي ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر 1937 ص
(53) نقلا عن المجاز وأثره في الدرس اللغوي د محمد بدري عبد الجليل
دار الجامعات المصرية الاسكندرية 1975 ، ص 47
(54) الخصائص 2/450 تحقيق محمد علي النجار دار الهدى للطباعة والنشر بيروت
(55) نهايات الشمال الأفريقي 18
(56) نفسه 125
(57) نفسه 14
(58) تنهدات الأمير العربي 88
(59) ديوان البياتي 3/207
(60) سفر بين الينابيع 13 ، وينظر أسفار الملك العاشق 9 ، 49 ، وملامح من العصر المتكبر17 وجنون من حجر 71 ، 86 ، 102 ، ونشيد الكركدن 28
(61) سلاما أيتها الموجة 20 21 ، وينظر 14 ، 18 42 ، 109 ، والأسفار 9 ، 12، 14، 15ونشيد الكركدن 28 ، 29، 39
(62) ينظر ديوان البياتي 1/558و 2/381
(63) نفسه 3/61
(64) ديوان البياتي 1/299
(65) قصيدة الأرض الخراب، من ترجمات من الشعر الحديث ، بيروت ، دار مجلة شعر 1958 ص 137
(66) ديوان البياتي 2/363
(67) المعبد الفريق 41
(68) ديوان السياب 1/86
(69) ترجمات من الشعر الحديث 99
(70) أنشودة المطر 164
(71) قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث ترجمة بدر شاكر السياب بغداد د ت
(72) قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث 4
(73) أنشودة المطر 47
(74) المصدر السابق 47
(75) أنشودة المطر 151
(76) ترجمات من الشعر الحديث 101
(77) منزل الأقنان 11
(78) ترجمات من الشعر الحديث 131
(79) ينظر أنشودة المطر 48، 255 ، 266 ، 275
(80) ترجمات من الشعر الحديث 132 والأسفار 56 ، 57
(81) نهايات الشمال الأفريقي 33
(82) ترجمات من الشعر الحديث 97
(83) ديوان البياتي 2/213
84- ديوان البياتي 2/223
85- تحت جدارية فائق حسن 61
86- هموم مروان وحبيبته الفارعة 22
87- تنهدات الامير العربي 73
88 ) أنشودة المطر 37 وينظر 14 16
( 89 ) أنشودة المطر 38 وينظر 128 ، 129 ، 142 ، 162 وديوان البياتي 1/182، 190 197 211 224 225 ونخلة الله 81، 84وجبال الثلاثاء 39وبعيدا عن السماء الأولى 18 – 48 262
90- المعبد الغريق 25، 28 وديوان البياتي 1/329 وخطوات في الغربة 122
91- المعبد الغريق 149
92- النجم والرماد المقطع الثالث من صور من باب الشيخ وينظر أيضا للكلمات أبواب وأشرعة 22 34
( 94 ) من أغاني الحرية 67
( 95 ) نظرية الأدب 258 - 259
( 96 ) الصورة الفنية ، نورمان فريدمان ترجمة الدكتور جابر عصفور ، مجلة الأديب المعاصر العدد 16 لسنة 1976 ص 36
( 97 ) ينظر في هذا كله الشعر الحر في العراق يوسف الصائغ 363 والشعر في فلسطين المحتلة ، دراسة جامعية تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه صالح خليل أبو اصبع من كلية دار العلوم، بجامعة القاهرة عام 1977 ، وهي باشراف الدكتور محمود الربيعي
( 98) التجربة والشعر 66
99- ديوان البياتي 1/471 وينظر أيضا 100 171 ، 274 ، 345، 475، 477، 504
100- أنشودة المطر 27 وينظر 67، 70 ، 71، 99، 136
(101) نفسه 78
(102) تنهدات الأمير العربي 79 - 84
(103) زيارة السيدة السومرية 43
(104) ينظر زيارة السيدة السومرية 9 واعترافات مالك بن الريب 54-55 ورماد الفجيعة 33 وسبع سنابل من نيسان 56 - 57 وملامح من العصر المتكبر 67 .
(105) انشودة المطر 204
(106) انشودة المطر 205
(107) انشودة المطر 208
(108) ديوان البياتي 1/483وينظر أيضا 1/408، 567، 590، 609، 2/147 3/19
(109) ترجمات من الشعر الحديث 80 - 81
(110) حوار عبر الأبعاد 11
(111) ينظر : اعترافات مالك بن الريب 60 ، 61 ، 78 ، 80 ، 85
(112) الطائر الخشبي 87 - 88 وينظر زيارة السيدة السومرية 55 ، 85
(113) ينظر الطائر الخشبي 77 ، 90 ، وزيارة السيدة السومرية 85 ، 104 ، 108 وللمزيد من ايضاح العلاقة بين الأسطورة وشعر حسب
الشيخ جعفر ينظر أيضا شجر الغابة الحجري طراد الكبيسي دار الحرية للطباعة بغداد 1975 ص 213
(114) ملحمة جلجامش 104 وينظر عشتار ومأساة تموز 193
(115) ينظر ديوان البياتي 2/323، 324، 325 ، 333 ، 344 ، وملحمة جلجامش 90 .91، 92، 106، 107، 109
(116) ينظر الفصل الثاني من هذا البحث
(117) أنشودة المطر 105
(118) ادونیس ، جيمس فريزر ، ترجمة جبرا ابراهيم جبرا ، ص 14 ، وينظر أيضا السياب لعبد الجبار عباس 204
(119) الأخضر بن يوسف 41 ، وينظر 13، 14، 15 وينظر أيضا الليالي كلها 8
15 وتحت جدارية فائق حسن 15، 31
(120) عبر الحائط في المرآة 55 ، 56
(121) نفسه 136
(122) عبر الحائط في المرأة 32 ، 33
123- عبر الحائط في المرآة 135 136
124- زيارة السيدة السومرية 131 132