التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
أدلة إثبات المبدأ المتعالي
المؤلف: آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر: بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة: ج1 ، ص 25
2024-12-10
324
الأدلة على إثبات الواجب تعالى متعددة مختلفة في جوهرها أو أسلوبها.
الأول: الفطرة، وهي بحسب اللغة من الفطر وهو بمعنى الخلق ومنه قوله تعالى: " إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض " (1) والفطرة كفعلة لبيان كيفية في الخلقة كالجلسة فالمراد من فطرة الإنسان هي كيفية في خلقة الإنسان وهي ترجع إلى كيفية في هويته (2) التي منها:
إدراكه بالعقل البديهي وسيأتي الإشارة إليه في الأدلة العقلية. وهذا هو الذي عبر عنه في المنطق بالفطريات أي القضايا التي قياساتها معها كقولهم: الاثنين خمس العشرة. وهذا النوع من الإدراك الذي من خصائص خلقة الإنسان يتوقف على تشكيل القياس وأخذ النتيجة، ولذا يكون من أقسام العلم الحصولي لا العلم الحضوري، وسمي هذا الإدراك بفطرة العقل البديهي.
ومنها: إدراكه بقلبه كعلم النفس بالنفس فلا يحتاج إلى وساطة شكل قياسي كما لا يخفى، ولذا يعد من أقسام العلم الحضوري فالإنسان بفطرته يعلم بنفسه ويحب الكمال والجمال. وسمي هذا الإدراك بفطرة القلب.
ثم بعد وضوح معنى الفطرة، فليعلم أن المستدل بالفطرة على إثبات المبدأ المتعالي وصفاته وتوحيده أراد الفطرة القلبية وقال: إن القلب يعلم بالعلم الحضوري ربه ويعرفه والدليل عليه هو رجاؤه بالقادر المطلق عند تقطع الأسباب الظاهرية المحدودة وحبه له وإن غفل عنه كثير من الناس بسبب الاشتغال بالدنيا في الأحوال العادية. إذ الرجاء والحب فرع معرفته به وإلا لم يرجه ولم يحبه مع أن الرجاء به أمر واضح عند تقطع الأسباب الظاهرية كما يشهد له رجاء من كسرت سفينته في موضع من البحر لا يكون أحد ولا إمداد، بقدرة وراء الأمور العادية (3)، ومع أن حب الكمال المطلق لاخفاء فيه حيث إنا نرى أنفسنا عند عدم إشباع كمال من الكمالات غير آيسين من النيل إلى كمال فوقه إلى أن ينتهى إلى كمال لا نهاية له وهو الذي يوجب السكون والاطمئنان ولا نشبع من حبه ولا نشمئز من الخضوع والعبادة له، " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " (4).
ففطرة الرجاء وفطرة حب الكمال المطلق وفطرة عبادته والخضوع له كلها مظاهر مختلفة للمعرفة الفطرية وهي العلم الحضوري بالرب المتعالي لأنها آثار تلك المعرفة ولا يمكن وجودها بدونها بعد كون غير الرب محدودا بمرتبة ومفقودا في بعض الأحيان.
ثم مع ثبوت هذه المعرفة الفطرية حصلت المعرفة بالواجب المتعال، لأن العلم عين الكشف ولا حاجة إلى مقدمات أخرى كما ذهب إليها شيخ مشايخنا الشاه آبادي - قدس سره - حيث قال: بأن العشق من الصفات الإضافية يقتضي معشوقا كما كنت عاشقا بالفعل فلتحكم بوجود معشوق الفطرة في دار التحقق كما قال مولانا: " عميت عين لا تراك. الخ " (5).
وذلك لأن نفس المعرفة الفطرية عين المعرفة به تعالى ولا حاجة إلى ضميمة أنه لا يعقل وجود أحد المتضايفين بدون الآخر فلا تغفل.
ثم إن هذا الإدراك حيث كان من خصائص الخلقة في الإنسان ليس فيه خطأ، كما أن السمع والبصر لا يفعلان إلا ما قرر في خلقتهما له فالسمع لا يريد الرؤية كما أن البصر لا يريد السماع فكل شئ في خلقتنا لا يقصد إلا ما هو له (6).
وعليه فتوجيه قلوبنا نحو وجوده تعالى أمر فطري لا خطأ فيه. وليس هذه المعرفة من باب القضايا المعقولة التي يحتمل فيها الصدق والكذب، بل هو من باب الشهود والعلم الحضوري الذي لا يحتاج إلى وساطة شئ آخر.
وهذا الادراك يؤكد بالعبادات المأثورة الشرعية إذ كلما ازدادت النفس تزكية وصفاء كان هذا الإدراك فيها آكد وأتم.
وكلما ازدادت النفس فسقا وفجورا كان الإدراك المذكور فيها ضعيفا ويؤول ضعفه إلى حد ربما يتخيل عدمه.
وللرسل سهم وافر في ازدياد هذا الإدراك وتقويته كما أشار إليه أمير المؤمنين - عليه السلام - بقوله: " فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستادوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول " (7).
وكيف كان فهذا الإدراك لا يختص بزمان دون زمان وبقوم، بل هو موجود في الإنسان من بدء حياته إلى زماننا هذا وبعده، كما اعترف به جمع كثير من علماء الغرب أيضا على ما حكاه الأستاذ الشهيد المطهري - قدس سره - وهو من شواهد كون هذا الإدراك فطريا (8).
وإلى ما ذكر يشير الإمام الباقر - عليه السلام - في قوله: " فطرهم على المعرفة به " (9).
ثم إن الفطرة لا تبديل لها وإن أمكن خفاؤها، بسبب توجه النفس إلى الدنيا والأمور المادية والاشتغال بها. ولعل قوله تعالى: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " (10) يشير إلى ذلك.
ثم إن الفطرة تشبه الغريزة في كونها من خصائص الخلقة ولكنها تفترق عنها بأمور:
(أحدها): أن الفطرة بعد الإشارة والتنبيه لو خليت وطبعها يعني لم تقترن بالموانع تسوق الانسان نحو الكمال المطلق بخلاف غرائز الانسانية فإنها لا جهة لها بدون أن يكون للعقل عليها تحديد واشراف.
(وثانيها): أن حب الكمال المطلق أو الرجاء به عند تقطع الأسباب العادية أو ملائمة عبادة المعبود المطلق أو غير ذلك من الأمور الفطرية ترجع كما عرفت إلى المعرفة الفطرية التي غفل عنها كثير من الناس، بخلاف الغرائز فإنها لا ترجع إلى المعرفة أصلا كما لا يخفى.
ثم إنه يظهر مما ذكر ما في دعوى إن كل ما استدل به لإثبات المبدأ المتعالي متوقف على أصل العلية، لما عرفت من أن المعرفة الفطرية من خصائص الخلقة كالغريزة وإن كان أساس هذه المعرفة والشهود هو معلولية الانسان. نعم تتوقف فطرة العقل على المقدمات البديهية بخلاف فطرة القلب، لما عرفت.
ثم ينقدح مما ذكر جواز الاكتفاء بالمعرفة الفطرية مع شواهد وجودها من الرجاء أو الحب لكمال المطلق، لإثبات المبدأ المتعالي ولولا وساط الناس الذين غفلوا عن وجودها في أنفسهم فلا حاجة إلى الأدلة العقلية، كما لا يخفى.
الثاني: الإمكان، والمراد به إما هو الامكان الماهوي أو الامكان الوجودي، والأول وصف الماهية وأريد به استواء الذات بالنسبة إلى الوجود والعدم بحيث يحتاج ترجح الوجود على العدم إلى السبب الخارجي، أو أريد به سلب ضرورة الوجود والعدم عن الماهية.
والثاني وصف الوجود وأريد به افتقار الوجود بحيث يكون عين التعلق والربط والحاجة إلى العلة بحيث لا استقلال له في أصل وجوده وبقائه.
والوجود بعد كونه أصيلا لا يتصف بالإمكان حقيقة إلا بهذا الاعتبار، وأما اتصافه بالإمكان الماهوي فهو باعتبار ماهيته، لأن الوجود ليس له اللاقتضاء بالنسبة إلى الوجود والعدم، بل نسبته إلى نفسه ضروري بالوجوب، لأن ثبوت الشئ لنفسه ضروري وإلى العدم بالامتناع حيث أن امتناع اتصاف الشئ بنقيضه أيضا من الضروري فلا يكون متساوي النسبة بالقياس إليهما (11).
ثم إنه استدل بكلا المعنيين لإثبات المبدأ المتعال.
أما الأول: فقد نسب إلى ابن سينا وغيره رحمهم الله ولقد أجاد في تقريره المحقق الطوسي والعلامة الحلي - قدس سرهم - وهو:
إن كل معقول إما أن يكون واجب الوجود في الخارج لذاته (12)، وإما ممكن الوجود لذاته، وإما ممتنع الوجود لذاته.
ولا شك في أن هنا موجودا بالضرورة فإن كان واجبا لذاته فهو المطلوب.
وإن كان ممكنا افتقر إلى موجد يوجده بالضرورة، فإن كان الموجد واجبا لذاته فهو المطلوب. وإن كان ممكنا افتقر إلى موجد آخر فإن كان الأول دار، وهو باطل بالضرورة، وإن كان ممكنا آخر تسلسل وهو باطل أيضا، لأن جميع أحاد تلك السلسلة الجامعة لجميع الممكنات، تكون ممكنة بالضرورة فتشترك في إمكان الوجود لذاتها، فلابد لها من موجد خارج عنها بالضرورة فيكون واجبا بالضرورة وهو المطلوب (13).
والحد الوسط في هذا البرهان هو الإمكان الماهوي ويمكن تقريره بوجه آخر وهو أن يقال: العالم ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته يحتاج في الوجود إلى الغير فالعالم يحتاج في الوجود إلى الغير، وهذا الغير إن كان واجبا فهو المطلوب وإلا لزم أن ينتهى إليه، لبطلان الدور والتسلسل.
أما بطلان الدور فلأنه تقدم الشئ على نفسه ومعناه وجود الشئ قبل وجوده وهو محال لأنه اجتماع النقيضين. وأما بطلان التسلسل، فلأن جميع آحاد تلك السلسلة ممكنة لذاتها ومحتاجة في الوجود إلى الغير، وتكثر الآحاد الممكنة لا يقلب الممكنات عن ذاتياتها كما أن تكثر آحاد الصفر لا يوجب انقلابها إلى الأرقام فالسلسلة المفروضة محتاجة في الوجود إلى موجد ليس بممكن، بل هو واجب الوجود.
ويمكن أيضا تقريب هذا البرهان بنحو أخصر وهو أن يقال:
علة الممكن منحصرة في أربعة: العدم ونفس الممكن ومثله وواجب الوجود وحيث أن الثلاثة الأول باطلة بقي الأخير.
أما بطلان الأول: فلأن العدم لا يكون واجدا لشئ حتى يعطيه. وأما بطلان الثاني: فلأن الشئ قبل وجوده ليس إلا عدما والعدم لا يصلح للعلية كما عرفت. وأما بطلان الثالث: فلأنه مثل نفس الممكن في الحاجة إلى الغير في الوجود فكيف يمكن له أن يوجد بدون انتهائه إلى الواجب ويعطي الوجود؟ ثم لا فرق في كون المثل شيئا واحدا أو أشياء متعددة، منتهية كانت أو غير منتهية، لأن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، فانحصر أن يكون العلة هو واجب الوجود ولعل قوله عز وجل: " أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون " (14) يشير إلى ذلك.
وقد عرفت أن خلقة الممكن بدون استناده إلى الواجب المتعال ترجع إلى خلقته من العدم ومن غير شئ، وهو محال فانحصر الأمر إلى استناد الخلقة إليه تعالى حتى تكون الخلقة مستندة إلى شئ وهو حقيقة الوجود.
ثم لا يخفى عليك أن المستدل بهذا البرهان أراد إثبات أصل الواجب في مقابل من ينفيه رأسا، وأما أن الواجب واحد أو متعدد مجرد أو مادي متحد مع صفاته أو غير متحد، فهذه مباحث محتاجة إلى الإثبات بالتدريج كما صرح الأستاذ الشهيد المطهري - قدس سره - في ذيل هذا البرهان (15).
نعم هذا البرهان كما يدل على حاجة الممكن في حدوثه إلى المبدأ المتعالي، كذلك يدل على حاجته إليه في بقائه، لاستمرار العلة وهي الإمكان الماهوي.
وأما الثاني أي الإمكان الوجودي فقد ذهب إليه جملة من المحققين منهم المحقق السبزواري في منظومته وشرحه (16) وتقريبه بأن يقال: إنا إذا نظرنا إلى الوجود العيني فهو لا يخلو عن أحد أمرين: إما هو واجب بمعنى أنه في نهاية شدة الوجود الملازمة لقيامه بذاته واستقلاله بنفسه بحيث لا يشوبه عدم ولا نقص ويكون صرف الوجود الذي لا أتم منه. وإما هو ممكن بمعنى أنه فقير ومتعلق بالغير بحيث لا يستقل في شئ من وجوده عن الغير، بل هو مشروط ومتقيد في أصل وجوده وكماله بالغير.
وذلك - أي انحصار الوجود في الوجوب والممكن المذكورين - لأن الوجوب أو الإمكان بالمعنى المذكور شأن من الشؤون القائمة بالوجود وليس الوجود خارجا عنهما.
فحينئذ نقول: فإن كان الموجود الخارجي هو الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فهو لا ينفك عن وجود الواجب المتعال، لأن وجود المتعلق والفقير بدون المتعلق عليه والمفتقر إليه خلف في تعلقه وفقره إليه وربطه به. ولا فرق فيما ذكر بين كون المتعلق والفقير واحدا أو متعددا، مترتبا أو متكافئا، لأن الكل متعلق وفقير وربط ولا ينفك عن المتعلق عليه والمفتقر إليه وعليه، ففرض الدور أو التسلسل لرفع الحاجة إلى الواجب المتعالي لا يفيد، لأن مرجع الدور أو التسلسل إلى وجود المتعلق والفقير والربط بدون المتعلق عليه والمفتقر إليه المستقل بنفسه وهو خلف في التعلق والفقر وعدم الاستقلال. فوجود الممكن بمعنى الفقير والمتعلق لا ينفك عن الغني بالذات والمستقل بنفسه.
وإليه يشير شيخ مشايخنا الشاه آبادي - قدس سره - حيث قال: " إن نفس هذه الموجودات المحدودة روابط صرفة وذواتها متعلقة كتعلق الأضواء والشروق بذيها فإنك تشاهد انعدامها عند انسداد الروازن يعني أن انسدادها عدمها كما لا يخفى.
ويدل على ما ذكرنا أن هذه الموجودات لا تكون نفسها قيومها ولا لعالم ملكها حتى يبقى في الملك دائما، كما قال تعالى: " إنك ميت وإنهم ميتون " (17) " أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ " (18) وهكذا لا يكون حافظا لخصوصيات وجوده من صفاته وأحواله كالحسن والجمال والصحة والكمال والعزة والمال. وكذلك الأمر في غير الإنسان، بل هو فيه أوضح من أن يخفى وإذا كان الأمر كذلك في الكل فالحكم بكون الكل فقراء، فذواتهم تدل على حاجتهم وفقرهم. وبفطرة الفقير بالذات تثبت الغني بالذات " (19).
وكيف كان، فالحد الوسط في هذا البرهان هو الإمكان الوجودي، ويمكن تقريبه بوجهين آخرين مضيا في الإمكان الماهوي فراجع.
ولعل قوله تعالى: " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد " (20) يشير إلى ذلك.
الثالث: المعلولية، وتقريب هذا البرهان بأن يقال: لا شك في وجود الموجودات في الخارج فحينئذ نقول: إن هذه الوجودات كلها معاليل وكل معلول يحتاج إلى العلة فهذه الوجودات تحتاج إلى علة ليست بمعلولة وهو الحق المتعال.
أما أنها معاليل، فلجواز العدم عليها إذ لا يلزم من فرض عدمها محال وكل ما لا يلزم من فرض عدمه محال فالوجود ليس بذاتي له، فإذا لم يكن الوجود ذاتيا له فترجح الوجود له من ناحية الغير وليس المعلولية إلا ذلك.
هذا مضافا إلى خلو الموجودات عن صفات الواجب، لأن من صفات الواجب هو أنه لا يشوبه النقص والعدم ولا يكون مركبا ولا يحتاج إلى شئ ولا يكون محدودا بحدود ولا متقيدا بقيد ولا شرط ولا سبب، بل هو عين الكمال وعين الوجود وبسيط ومطلق من جميع الجهات، ولا حاجة له إلى شئ من الأشياء.
وهذه الأمور ليست في الموجودات الخارجية فإنها مشوبة بالنقص والعدم لأن كل واحد منها محدود بحد ومرتبة ولا يكون واجدا لساير المراتب ومركبة بالتركيب الخارجي أو التركيب الذهني من الجنس والفصل ومتقيدة بأسبابها وشرائطها ومحتاجة في وجودها وبقائها إلى الغير فليست الموجودات إلا المعلولات. هذا كل الكلام في ناحية الصغرى.
وأما الكلام في ناحية الكبرى فهو واضح إذ لو لم يحتج المعلول إلى العلة لزم الخلف في المعلولية أو الترجح من غير مرجح وكلاهما محال.
وينتج من المقدمتين أن الموجودات محتاجة إلى العلة، لكونها معلولات والعلة هي الواجب المتعالي وإلا بقيت المعلولات بدون العلة، لأن المفروض أن جميعها معلولات وتفكيك المعلولات عن العلة محال، ولا فرق فيما ذكر بين أن تكون الموجودات مترتبات أو غير مترتبات، ففرض الدور أو التسلسل لا يفيد في هذا المجال أيضا كما لا يخفى.
الرابع: الضرورة والوجوب، والمراد من ذلك أن الشئ ما لم يجب لم يوجد ووجوب الشئ لا يحصل إلا بسد أنحاء عدمه ولا يسد أنحاء عدمه إلا بوجود علته التامة، لأنه ممكن بالذات والممكن بالذات لا يقتضي الوجود كما لا يقتضي العدم. فإذا فرض أن وجود شئ مشروط بألف شرط، فلا يمكن وجوده إلا باجتماع شروطه وتحقق علته، فإذا فقد شرط من بين هذه الشروط، لا يجب وجوده ولا يوجد، فإذا تحققت الشروط ووجب وجوده به وجد، فوجود الممكن مسبوق بضرورة الوجود رتبة وضرورة وجود الممكن قبل وجوده حاكية عن وجود علته، إذ بدونها لا وجود ولا ضرورة له.
وهذا الحكم لا يختص بوجود دون وجود، بل يشمل جميع الموجودات سواء كانت مترتبة أم غير مترتبة، لأن السلسلة المترتبة الممكنة بالذات ما لم يجب وجودها لم توجد، ولا يجب وجودها إلا بوجود علة مستقلة ليست بمعلولة وبدونها لا يجب وجود السلسلة، لأنها ممكنة بالذات وما دام لم يجب وجودها لم توجد وحيث كانت الموجودات موجودة بالعيان فعلم أنها وجبت قبل وجودها رتبة، فوجوبها وضرورتها ليس إلا بوجود علة مستقلة ليست بمعلولة وهو الواجب تعالى.
ويمكن تقرير هذا البرهان بصورة أخرى وهي أن يقال: إن وجود النظام الإمكاني مسبوق بضرورة الوجود له ووجوبه وإلا لم يوجد، والممكن ليس له ضرورة الوجود ووجوبه إلا بالواجب الوجود بواسطة أو بدونها. فوجوب النظام الإمكاني وضرورته قبل وجوده لا يكون إلا بوجود الواجب المتعال وهو المطلوب. ففي هذا البرهان يكون الحد الوسط هو الضرورة ووجوب الممكن بالغير التي هي من أحكام المعلولية.
وهذا البرهان من عوالي الأدلة والبراهين وكذلك قال الأستاذ الشهيد المطهري: إن هذا البرهان من البراهين التي في عين كونها دليلا على وجود الواجب، تكون برهانا على امتناع التسلسل أيضا، ولذا ذكره الخواجة نصير الدين الطوسي - قدس سره - في متن التجريد دليلا على امتناع التسلسل واستدل به صدر المتألهين - قدس سره - لوجود الواجب من دون حاجة إلى ابطال التسلسل قبله (21).
ولعل إليه يؤول ما حكي عن الفارابي من أن الممكن سواء كان واحدا أو متعددا، مترتبا أو متكافئا لا يقتضي وجوب الوجود فلا بد في وجود الممكن المترتب على وجوبه من موجود واجب بالذات (22).
وإليه يشير أيضا ما حكى عن المحقق الطوسي - قدس سره - حيث قال: إنه لو لم يكن الواجب موجودا لم يكن الشئ من الممكنات وجود أصلا، واللازم كالملزوم في البطلان. وبيان الملازمة أن الموجود يكون حينئذ منحصرا في الممكن وليس له وجود من ذاته كما تقدم، بل من غيره، فإذا لم يعتبر ذلك الغير لم يكن للممكن وجود، وإذا لم يكن له وجود لم يكن لغيره عنه وجود، لأن إيجاده للغير فرع وجوده لاستحالة كون المعدوم موجدا (23).
الخامس: الحدوث والتغير، وتقريب ذلك أن العالم متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث، مفتقر إلى محدث، ليس بجسم ولا جسماني وهو الواجب تعالى، دفعا للدور والتسلسل.
أما الصغرى فهي واضحة بعد ظهور التغيرات في الأشياء المادية، فإنها لا تزال في تبدل من صورة إلى صورة ومن كيفية ومن حال إلى حال، ولا شئ في العالم المادي إلا وهو متبدل ومتغير، بل المادة تتغير وتتبدل إلى الطاقة وهي إلى المادة كما لا يخفى.
قال الأستاذ الشهيد المطهري - قدس سره -: كل موجود من الموجودات المحسوسة المادية متغير ومتبدل، ولا يبقى في حال واحد، لأنه إما في حال التكامل والرشد وإما في حال الانكسار والضعف، كما يكون أيضا في حال المبادلة المستمرة، لأنه إما يأخذ وإما يعطي وإما يأخذ ويعطي، وليس موجود باقيا على حالة واحدة (24).
أما الكبرى فهي أيضا واضحة، فإن كل صورة وكيفية وحال متبدلة، مسبوقة بالعدم وحادثة فالمقدمتان تنتج أن العالم حادث مفتقر إلى محدث ليس كذلك، لما قرر في محله من بطلان الدور والتسلسل في ناحية العلل.
وهذا الاستدلال وإن كان صحيحا ولكن إثبات الواجب به يتوقف على ضميمة البراهين السابقة، فإن غاية التقريب المذكور هو أن محدث التغيير ليس بجسم ولا بجسماني وأما الواجب فلا يثبت به إلا إذا انتهت بالبراهين السابقة إلى الواجب تعالى.
السادس: النظم والتناسب، وتقريب ذلك ومن الواضح ان النظم هو عمل منظوم لغرض صحيح كخلقة آلة السمع للاستماع وآلة اللسان للتكلم وهكذا والتناسب هو مناسبة الاعمال المنظومة بعضها مع بعض في ترتب الغاية المترتبة عليها لتناسب الأيدي والأرجل أو تناسب الأسنان بالنسبة إلى الغاية المترتبة عليها ومن الواضح ان النظم والتناسب بالمعنى المذكور أمر يراه كل ذي لب في اجزاء العالم أو الأشياء بعضها مع بعض، يكفيك ما تراه في بدنك من القلب والسمع والبصر وجهاز الهاضمة وجهاز التناسل والتوالد والعروق والعظام، وما تحسه من القوى المودعة في نفسك من الإحساس والتحفظ والتعقل، وغير ذلك من الأمور العظيمة الفخيمة التي لا تنقضي عجائبها ولا ينال الإنسان بعظمتها وأهميتها، إلا إذا فقدها.
ثم إن النظم والتناسب لا سيما إذا كان متعددا ومستمرا لا يصدر إلا من ذي شعور عالم حكيم، ولذا يطمئن الإنسان بوجود البناء إذا رأى دارا مجهزة بالأجهزة اللازمة، وهكذا بوجود الصانع إذا رأى سيارة مجهزة بالأجهزة اللازمة، ولا يصغى باحتمال الصدفة، لضعفه، إلى حد يعجز عن حسابه الإنسان بحساب الاحتمالات، بل الفعل المتقن المنظم المتناسب المكرر المستمر لا يسانخ الصدفة الفاقدة للشعور، كما لا يخفى.
سأل زنديق من الإمام الصادق - عليه السلام - ما الدليل على صانع العالم؟
فقال أبو عبد الله - عليه السلام -: وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعها صنعها ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أنه له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده (25).
فإذا عرفت ذلك ظهر لك أن للنظم والتناسب المشاهد في أجزاء العالم ناظما شاعرا وعالما وحكيما مطلقا وهو الله تعالى، لأن الحكمة في الخلق كثيرة عظيمة لا تسانخ إلا للواجب " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لايات لقوم يعقلون " (26).
السابع: المحدودية، تقريب ذلك أن كل موجود من ممكنات العالم محدود بحدود وكل محدود له حاد، فالعالم الإمكاني له حاد غير محدود وهو صرف الوجود، دفعا للدور والتسلسل.
أما الصغرى، فلإن كل شئ من أشياء العالم الإمكاني صغيرها أو كبيرها جمادها أو نباتها أو حيوانها محدودة بالحد المكاني والزماني وغيرهما من الكيفيات والخصائص، ولذا لا وجود له في خارج الحد المكاني أو في خارج الحد الزماني أو نحوهما. نعم بعضها بالنسبة إلى بعض آخر أعظم أو أطول أو أدوم، ولكن كلها محدودة بالحدود المذكورة، بل المجردات أيضا محدودة بحد مراتب الوجود وأسبابها وعدمها.
وأما الكبرى، فلإن كل محدودية من أي نوع كانت آنية من ناحية غير المحدود، لا من ناحية نفسه وإلا لكان الأمر بيده، مع أن المعلوم خلافه. هذا مضافا إلى أنه يلزم منه مساواة كل محدود مع غيره في الحدود، لاشتراكهم في حقيقة الوجود، فالحدود في المحدودات آية المقهورية والمعلومية ولزم أن تنتهي إلى من ليس له حد من الحدود، بل هو صرف الكمال والوجود وليس هو إلا الله تعالى الذي عبر عنه في الكتاب العزيز بالصمد والقيوم والغني.
ويمكن تقريب البرهان المذكور بوجه آخر وهو أنه لا إشكال في وجود الموجودات في الخارج فإن كان مطلقا وصرفا ومحض الوجود فهو المطلوب وإلا استلزمه، لأن لكل محدود حادا دفعا للدور والتسلسل.
وقال صدر المتألهين في شرحه على أصول الكافي: كل محدود له حد معين، إذ المطلق بما هو مطلق (في عالم الخلق) لا وجود له في الخارج، فيحتاج إلى علة محددة قاهرة إذ طبيعة الوجود لا يمكن أن تكون مقتضية للحد الخاص وإلا لكان كل موجود يلزمه ذلك الحد، وليس كذلك فثبت أن الحد للوجود من جهة العلة المباينة، فكل محدود معلول لا محالة، فخالق الأشياء كلها يجب أن لا يكون محدودا في شدة الوجود وإلا لكان له خالق محدد فوقه وهو محال (27).
وقال العلامة الطباطبائي - قدس سره -: كل حقيقة من حقايق العالم فرضت فهي حقيقة محدودة، لأنها على تقدير وفرض وجود سببها كانت موجودة، وعلى تقدير وفرض عدم سببها كانت معدومة ففي الحقيقة لوجودها حد وشرط معين ليس لها وجود في خارج ذلك الحد والشرط المعين. وهذا الأمر جار في كل شئ عدا الله سبحانه وتعالى حيث أنه ليس له حد ونهاية، بل هو حقيقة مطلقة وموجود على كل التقادير وليس متقيدا بشرط ولا سبب ولا يكون محتاجا إلى شئ (28).
ولذا قال أمير المؤمنين - عليه السلام - في توصيفه تعالى: " فلا إليه حد منسوب " (29) وخاطب الإمام علي بن الحسين - عليهما السلام - ربه في دعائه بقوله: " أنت الذي لا تحد فتكون محدودا " (30) وفي توقيع محمد بن عثمان ابن سعيد عن مولانا الحجة بن الحسن المهدي - عليهما السلام - جاء في ضمن الدعاء: " يا موصوفا بغير كنه ومعروفا بغير شبه حاد كل محدود " (31).
فحد الوسط في هذا البرهان هو المحدودية، وهي من خصوصيات المعلول اللازمة له إذ لا يمكن ان يوجد معلول بدونها.
الثامن: التدبير والهداية وتقريبه هو أن من تأمل في النظام العالمي يرى - مضافا إلى النظم والتناسب الموجود فيه - أنه تحت تدبير شاعر حكيم بحيث يهدي كل موجود إلى وظائفه بالهداية التكوينية والغريزية، فالنحل والنمل وغيرهما من الحيوانات البرية والبحرية تعرف وظائفها من بناء محلها ومسكنها وذهابها إلى مواطن ارتزاقها وإيابها إلى مأواها وغير ذلك مما يطول الكلام، وهذه الوظائف دقيقة جدا بحيث إذا تأملناها نجدها عجيبة جدا، يكفيك كيفية ارتزاق النحل عن الزهر وعودها إلى محلها وتبنية المسدسات، حتى تملأها بالعسل، وكيفية تنظيم اجتماعاتها بالمقررات اللازمة وغيرها، فهذه الأمور كلها تحت تدبير وهداية ومن وراء ذلك هو تدبير أمورها على نحو يحصل للإنسان ما يلزمه في تعيشه وحياته، وهذا المدد غير المرئي على الدوام لا يختص بالحيوانات، بل يهدي كل شئ إلى وظائفه، كما أشار إليه في القرآن الكريم قال: " ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " (32) " والذي قدر فهدى " (33) " ثم استوى على العرش يدبر الأمر " (34).
وهكذا الفعل والانفعال الحاصل في بدن الإنسان يهتدي بهذه الهداية، وعليك بالتأمل حول دفاع البدن نحو الجراثيم والميكروبات الخارجية المهاجمة التي أرادت تخريب البدن، وغير ذلك من الأمور العجيبة جدا.
هذا مضافا إلى ما رأيناه في أمورنا من مبدأ الولادة إلى آخر عمرنا من التدبيرات الخفية التي يجدها كل أحد في تعيشه الشخصية لو تأمل حولها حق التأمل من تقدير الرزق وتهيئة أسبابه وتقدير الأزواج وتهيئة مقدماته وبعض المنامات وغير ذلك من الأمور كامداد الحق وابطال الباطل طيلة التاريخ.
ثم إن التدبير والهداية سيما إذا كان مستمرا وشايعا ليس إلا أثر الشاعر العالم فالعالم تحت تدبير عالم شاعر وحيث إن ذلك أثر عظيم فلا يسانخ إلا للواجب المتعالي. وان أبيت عن ذلك فهو لا محالة ينتهي إلى الواجب بالبراهين السابقة أو يكون من منبهات الفطرة التوحيدية، فالعالم تحت تدبير الله تعالى الحكيم المتعال.
هذه جملة من محكمات الأدلة الدالة على إثبات المبدأ المتعال، وكلها عدا دليل الفطرة أدلة عقلية بعضها بديهي والبعض الآخر نظري. وكيف كان فكلها منبهات بالنسبة إلى ما تسوق إليه الفطرة من المعرفة القلبية نور الله قلوبنا بنور الإيمان وثبتنا عليه إلى يوم لقائه.
__________________
(1) الأنعام: 79.
(2) لأن الخلق والمخلوق كالإيجاد والوجود حقيقة واحدة وانما الاختلاف بينهما بالاعتبار من جهة الإضافة إلى الفاعل والقابل فالكيفية في الخلق تؤول إلى كيفية في المخلوق.
(3) روي في توحيد الصدوق عن الصادق - عليه السلام - ما يدل على ذلك، راجع: ص 221.
(4) الرعد: 28.
(5) رشحات البحار: كتاب الإنسان والفطرة ص 37.
(6) راجع أصول فلسفة: ج 5 ص 46.
(7) نهج البلاغة: خطبة 1.
(8) راجع أصول فلسفة: ج 5 ص 72.
(9) أصول الكافي: ج 2 ص 13.
(10) الروم: 30.
(11) راجع نهاية الحكمة: ص 45 و 63، ودرر الفوائد: ج 1 ص 427.
(12) أي من حيث ذاته من غير التفات إلى غيره كما في الإشارات: ج 3 ص 18.
(13) راجع الباب الحادي عشر / 7 الطبعة الحديثة وشرح الإشارات: ج 3 ص 18، وشرح التجريد: ص 172.
(14) الطور: 35.
(15) راجع شرح المنظومة: ج 2 ص 128.
(16) راجع شرح المنظومة: ص 141 حيث قال في شرح قوله في الشعر " إذ الوجود إن كان واجبا فهو ومع الامكان قد استلزمه ": أو على سبيل الاستقامة بأن يكون المراد بالوجود مرتبة من تلك الحقيقة فإذا كان هذه المرتبة مفتقرة إلى الغير استلزم الغني بالذات دفعا للدور والتسلسل.
(17) الزمر: 30.
(18) الأنبياء: 34.
(19) رشحات البحار: ص 204.
(20) فاطر: 15.
(21) أصول فلسفة، ج 5 ص 100.
(22) تعليقة على نهاية الحكمة: ص 415.
(23) اللوامع الإلهية: ص 70.
(24) جهان بيني: ج 2 ص 34.
(25) بحار: ج 3 ص 29.
(26) البقرة: 164.
(27) شرح الأصول من الكافي: ص 332.
(28) شيعه در إسلام: ص 71.
(29) بحار الأنوار: ج 4 ص 222.
(30) الصحيفة: الدعاء 47.
(31) مفاتيح الجنان: أدعية أيام شهر رجب ص 135.
(32) طه: 50.
(33) الاعلى: 3.
(34) يونس: 3.