الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
تأثير القرآن الكريم في الأسلوب الإنشائي
المؤلف:
جرجي زيدان
المصدر:
تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة:
ج1، ص192-193
22-03-2015
4189
كان لظهور الإسلام تأثير كبير في اللغة العربية واساليبها والفاظها لتشرب قرائح المسلمين روح القرآن وحفظهم كلامه واعجابهم به. وطبيعي ان الكاتب تتكيف ملكة اللغة فيه على مقتضى محفوظه من اشعارها وأمثالها واساليبها. فلا غرو إذا ظهرت أساليب القرآن والفاظه في لغة المسلمين: شعرا ونثراً، كتابة وخطابة. ويرجع ذلك التغيير الى قسمين: تغيير في الاسلوب، وتغيير في الألفاظ.
اما الاسلوب الانشائي فلا يمكننا تعيين مقدار التغيير الذي اصابه الا بالرجوع الى ما وصلنا من انشاء الجاهلين، والفرق بينه وبين اسلوب القرآن كالفرق بين الثريا والثرى .. أين قول طريفة كاهنة اليمن حين خاف أهل مأرب سيل العرم وعليهم مزيقياء عمرو بن عامر، فإنها قالت لهم: (لا تؤموا مكة حتى أقول وما علمني ما أقول إلا الحكم المحكم رب جميع الامم من عرب وعجم الخ.) من أساليب القرآن؟
وتولد في صدر الإسلام ضرب من الانشاء من ابلغ ما يكون. وأحسن الامثلة عليه مخاطبات الخلفاء والقواد، وكلها من السهل الممتنع .. ككتاب عمر بن الخطاب الى عمرو بن العاص لما بعث به الى فتح مصر، ثم تخوف فكتب إليه: (بسم الله الرحمن الرحيم. من الخليفة عمر بن الخطاب الى عمرو بن العاص عليه سلام الله تعالى وبركاته. اما بعد فان أدركك كتابي هذا وانت لم تدخل مصر فارجع عنها، واما إذا أدركك وقد دخلتها شيئا من أرضها.. فامض واعلم أني ممدك).
وكتب ابن الخطاب الى ابن العاص يستنجده في مجاعة بقوله: (من عبد الله عمر أمير المؤمنين الى العاصي بن العاصي سلام. اما بعد فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك ان اهلك انا ومن معي فياغوثاه ثم يا غوثاه) فكتب إليه عمرو: (الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من عمرو بن العاص. اما بعد فيالبيك ثم يا لبيك. قد بعثت اليك بعير اولها عندك وآخرها عندي والسلام).
ذلك اسلوبهم فيما يكتبونه او يقولونه من المخابرات السياسية او الخطب الحماسية او العهود او العقود.. حتى إنك إذا قرأت لهم رسالة تبينت اسلوب صدر الإسلام فيها، فيهون عليك التفريق بين الصحيح والموضوع منها.
ونجد امثله من المخابرات السياسية والخطب ونحوها على اسلوب صدر الإسلام في كتب الفتوح والغزوات، كفتوح الشام للواقدي، وفتوح البلدان للبلاذري. ومنها جانب كبير في خطط المقريزي عن فتوح مصر. ونجد معظمها مجموعا في كتاب فتوح الشام للشيخ أبي اسماعيل محمد بن عبد الله الازدي البصري من أهل اواسط القرن الثاني للهجرة طبع في كلكته سنة 1854، وقد شاهدنا فيه ما لم نشاهده في غيره مما وصل الينا من كتب الفتح .. فانه عبارة عن مجموع المخابرات السياسية او الاوامر الرسمية التي جرت بين الخلفاء الراشدين وقوادهم أو ما تكاتب به القواد او ما كتبوه الى كبراء الروم وغيرهم. او ما عقدوه من العهود في أثناء حروبهم في الشام الى فتحها وفتح اجنادها. كأنها الأصول التي أخذت اخبار الفتح عنها.