الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الرسول والشعر
المؤلف:
جرجي زيدان
المصدر:
تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة:
ج1، ص189-191
15-03-2015
6354
الرسول والشعر
ج1، ص189-191
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علمت مما تقدم ان أكثر شعراء الجاهلية من الفرسان والامراء واهل الحرب، وأكثر اشعارهم في الفخر والحماسة بما بين قبائلهم من التنازع، ومرجع ذلك كله الى العصبية.. كل قبيلة تطلب الفضل لنفسها على سواها. فلما جاء الإسلام وجمع كلمة العرب وذهبت العصبية الجاهلية لم تبق حاجة الى الشعر او الشعراء.. ناهيك باشتغال أهل المواهب والقرائح بالحروب في الجهاد لنشر الإسلام وبالأسفار. وقد ادهشتهم أساليب القرآن وبهرتهم النبوة وانصرفت قرائحهم الشعرية الى الخطابة، لحاجتهم اليها في استنهاض الهمم وتحريك الخواطر للجهاد، وهي شعر منثور. وقد جاء الطعن على الشعراء في الآية الكريمة (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون).
وزد على ذلك ان الرسول لم يكن راغبا في الشعر لأنه من عوامل التفريق، وهو يدعو العرب الى الاجتماع. وكان إذا روى شعرا لا يلتفت الى وزنه (19، ومن اقواله: (لان يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خيرا من ان يمتلئ شعراً) (2) ولم يكن مع ذلك يبخس الشعر حقه، اما الآية الكريمة التي نزلت في الشعراء انما يراد بها شعراء قريش الذين تناولوه بالهجاء والاذى. وقد قبح الشعر في الذين غلب الشعر على قلوبهم حتى شغلهم عن الدين وفروضه، وليس الشعر على اطلاقه. ولذلك فقد أبدى اعجابه به بقوله: (ان من الشعر لحكمة) يشير الى الاشعار التي فيها تدين او دفاع عن الحق. ومن أوقاله: (اصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد: (الا كل شيء ما خلا الله باطل) وكثيراً ما كان يحب ان يسمع شعر امية بن أبي الصلت لما فيه من ذكر الله والبعث (3).
أما سائر اغراض الشعر فكان يعرض عنها ويرد عليها بكلام القرآن. ويروى من هذا القبيل ان الطفيل بن عمرو الدوسي اتى الرسول، فعرض عليه الرسول فقال له: ((إني رجل شاعر فاسمع ما أقول). فقال: (هات) فانشد:
لا وإله الناس نألم حربهم ولو حاربتنا منهب وبنو فهم
ولما يكن يوم نزول نجومه تطير به الركبان ذو نبأ ضخم
أسلما على خسف ولست بخالد وما لي من واق إذا جاءني حتمي
فلا سلم حتى تحفر الناس خيفة وتصبح طير كانسات (4) على لحم
فأجابه النبي (وانا أقول: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) وقرأ المعوذتين، فأسلم الرجل (5) وكان النبي مع ذلك يقرب الشعراء المسلمين ويشجعهم على قول الشعر لتأثيرهم في الأذهان (6).
وعرضت قتيلة بنت النضر بن الحارث للنبي وهو يطوف، وكان قد قتل أباها فاستوقفته وجذبت رداءه حتى انكشف منكبه وانشدته ابياتا مطلعها:
يا راكبا ان الأثيل مظنة من صبح خامسة وانت موفق
الى ان قالت:
أمحمد ها أنت نجل نجيبة من قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق
والنضر أقرب من قتلت وسيلة واحقهم ان كان عتق يعتق
فقال النبي: (لو كنت سمعت شعرها هذا ما قتلته) (7). ولذلك لم يكن يرى بأسا من انتصار الشعراء له يدفعون عنه أقوال شعراء قريش الذين جاءت الآية بالطعن عليهم، وتوعدهم الرسول ففر بعضهم من وجهه ومات البعض الاخر (8). وقد تقدم في ترجمة حسان بن ثابت ان أشهر من هجا المسلمين ثلاثة: عبد الله بن الزبعري، وابو سفيان، وعمرو بن العاص، وان النبي قال للأنصار: (ما يمنع الذين نصروا رسول الله بسلاحهم ان ينصروه بألسنتهم) فانتصب للدفاع عنه ثلاثة هم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة. وكان يرى لأشعارهم تأثيرا في اعدائه، ومن أقواله: (هؤلاء النفر (الشعراء) اسد على قريش من نضح النبل) وقال لحسان مرة: (اهجهم (يعني قريش) فوالله لهجاؤك عليهم اشد من وقع السهام في غلس الظلام. واهجهم ومعك جبريل روح القدس) (9).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاغاني ج13
(2) العمدة ج1، ويريه: يفسده
(3) مشكاة المصابيح
(4) كانسات: عاكفات
(5) الأغاني ج12
(6) الأغاني ج13
(7) العمدة ج1
(8) العمدة ج1
(9) العمدة ج1