النحو
اقسام الكلام
الكلام وما يتالف منه
الجمل وانواعها
اقسام الفعل وعلاماته
المعرب والمبني
أنواع الإعراب
علامات الاسم
الأسماء الستة
النكرة والمعرفة
الأفعال الخمسة
المثنى
جمع المذكر السالم
جمع المؤنث السالم
العلم
الضمائر
اسم الإشارة
الاسم الموصول
المعرف بـ (ال)
المبتدا والخبر
كان وأخواتها
المشبهات بـ(ليس)
كاد واخواتها (أفعال المقاربة)
إن وأخواتها
لا النافية للجنس
ظن وأخواتها
الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل
الأفعال الناصبة لمفعولين
الفاعل
نائب الفاعل
تعدي الفعل ولزومه
العامل والمعمول واشتغالهما
التنازع والاشتغال
المفعول المطلق
المفعول فيه
المفعول لأجله
المفعول به
المفعول معه
الاستثناء
الحال
التمييز
الحروف وأنواعها
الإضافة
المصدر وانواعه
اسم الفاعل
اسم المفعول
صيغة المبالغة
الصفة المشبهة بالفعل
اسم التفضيل
التعجب
أفعال المدح والذم
النعت (الصفة)
التوكيد
العطف
البدل
النداء
الاستفهام
الاستغاثة
الندبة
الترخيم
الاختصاص
الإغراء والتحذير
أسماء الأفعال وأسماء الأصوات
نون التوكيد
الممنوع من الصرف
الفعل المضارع وأحواله
القسم
أدوات الجزم
العدد
الحكاية
الشرط وجوابه
الصرف
موضوع علم الصرف وميدانه
تعريف علم الصرف
بين الصرف والنحو
فائدة علم الصرف
الميزان الصرفي
الفعل المجرد وأبوابه
الفعل المزيد وأبوابه
أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)
اسناد الفعل الى الضمائر
توكيد الفعل
تصريف الاسماء
الفعل المبني للمجهول
المقصور والممدود والمنقوص
جمع التكسير
المصادر وابنيتها
اسم الفاعل
صيغة المبالغة
اسم المفعول
الصفة المشبهة
اسم التفضيل
اسما الزمان والمكان
اسم المرة
اسم الآلة
اسم الهيئة
المصدر الميمي
النسب
التصغير
الابدال
الاعلال
الفعل الصحيح والمعتل
الفعل الجامد والمتصرف
الإمالة
الوقف
الادغام
القلب المكاني
الحذف
المدارس النحوية
النحو ونشأته
دوافع نشأة النحو العربي
اراء حول النحو العربي واصالته
النحو العربي و واضعه
أوائل النحويين
المدرسة البصرية
بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في البصرة وطابعه
أهم نحاة المدرسة البصرية
جهود علماء المدرسة البصرية
كتاب سيبويه
جهود الخليل بن احمد الفراهيدي
كتاب المقتضب - للمبرد
المدرسة الكوفية
بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الكوفة وطابعه
أهم نحاة المدرسة الكوفية
جهود علماء المدرسة الكوفية
جهود الكسائي
الفراء وكتاب (معاني القرآن)
الخلاف بين البصريين والكوفيين
الخلاف اسبابه ونتائجه
الخلاف في المصطلح
الخلاف في المنهج
الخلاف في المسائل النحوية
المدرسة البغدادية
بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في بغداد وطابعه
أهم نحاة المدرسة البغدادية
جهود علماء المدرسة البغدادية
المفصل للزمخشري
شرح الرضي على الكافية
جهود الزجاجي
جهود السيرافي
جهود ابن جني
جهود ابو البركات ابن الانباري
المدرسة المصرية
بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو المصري وطابعه
أهم نحاة المدرسة المصرية
جهود علماء المدرسة المصرية
كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك
جهود ابن هشام الانصاري
جهود السيوطي
شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك
المدرسة الاندلسية
بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الاندلس وطابعه
أهم نحاة المدرسة الاندلسية
جهود علماء المدرسة الاندلسية
كتاب الرد على النحاة
جهود ابن مالك
اللغة العربية
لمحة عامة عن اللغة العربية
العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)
العربية الجنوبية (العربية اليمنية)
اللغة المشتركة (الفصحى)
فقه اللغة
مصطلح فقه اللغة ومفهومه
اهداف فقه اللغة وموضوعاته
بين فقه اللغة وعلم اللغة
جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة
جهود القدامى
جهود المحدثين
اللغة ونظريات نشأتها
حول اللغة ونظريات نشأتها
نظرية التوقيف والإلهام
نظرية التواضع والاصطلاح
نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح
نظرية محاكات أصوات الطبيعة
نظرية الغريزة والانفعال
نظرية محاكات الاصوات معانيها
نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية
نظريات تقسيم اللغات
تقسيم ماكس مولر
تقسيم شليجل
فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)
لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية
موطن الساميين الاول
خصائص اللغات الجزرية المشتركة
اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية
تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)
اللغات الشرقية
اللغات الغربية
اللهجات العربية
معنى اللهجة
اهمية دراسة اللهجات العربية
أشهر اللهجات العربية وخصائصها
كيف تتكون اللهجات
اللهجات الشاذة والقابها
خصائص اللغة العربية
الترادف
الاشتراك اللفظي
التضاد
الاشتقاق
مقدمة حول الاشتقاق
الاشتقاق الصغير
الاشتقاق الكبير
الاشتقاق الاكبر
اشتقاق الكبار - النحت
التعرب - الدخيل
الإعراب
مناسبة الحروف لمعانيها
صيغ اوزان العربية
الخط العربي
الخط العربي وأصله، اعجامه
الكتابة قبل الاسلام
الكتابة بعد الاسلام
عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه
أصوات اللغة العربية
الأصوات اللغوية
جهود العرب القدامى في علم الصوت
اعضاء الجهاز النطقي
مخارج الاصوات العربية
صفات الاصوات العربية
المعاجم العربية
علم اللغة
مدخل إلى علم اللغة
ماهية علم اللغة
الجهود اللغوية عند العرب
الجهود اللغوية عند غير العرب
مناهج البحث في اللغة
المنهج الوصفي
المنهج التوليدي
المنهج النحوي
المنهج الصرفي
منهج الدلالة
منهج الدراسات الانسانية
منهج التشكيل الصوتي
علم اللغة والعلوم الأخرى
علم اللغة وعلم النفس
علم اللغة وعلم الاجتماع
علم اللغة والانثروبولوجيا
علم اللغة و الجغرافية
مستويات علم اللغة
المستوى الصوتي
المستوى الصرفي
المستوى الدلالي
المستوى النحوي
وظيفة اللغة
اللغة والكتابة
اللغة والكلام
تكون اللغات الانسانية
اللغة واللغات
اللهجات
اللغات المشتركة
القرابة اللغوية
احتكاك اللغات
قضايا لغوية أخرى
علم الدلالة
ماهية علم الدلالة وتعريفه
نشأة علم الدلالة
مفهوم الدلالة
جهود القدامى في الدراسات الدلالية
جهود الجاحظ
جهود الجرجاني
جهود الآمدي
جهود اخرى
جهود ابن جني
مقدمة حول جهود العرب
التطور الدلالي
ماهية التطور الدلالي
اسباب التطور الدلالي
تخصيص الدلالة
تعميم الدلالة
انتقال الدلالة
رقي الدلالة
انحطاط الدلالة
اسباب التغير الدلالي
التحول نحو المعاني المتضادة
الدال و المدلول
الدلالة والمجاز
تحليل المعنى
المشكلات الدلالية
ماهية المشكلات الدلالية
التضاد
المشترك اللفظي
غموض المعنى
تغير المعنى
قضايا دلالية اخرى
نظريات علم الدلالة الحديثة
نظرية السياق
نظرية الحقول الدلالية
النظرية التصورية
النظرية التحليلية
نظريات اخرى
النظرية الاشارية
مقدمة حول النظريات الدلالية
أخرى
العربية جنوب دول المغرب
المؤلف:
د. محمود فهمي حجازي
المصدر:
اسس علم اللغة العربية
الجزء والصفحة:
ص292- 299
21-4-2019
1127
العربية جنوب دول المغرب:
لا تقتصر العربية على الدول التي توصف اليوم بأنها من الدول العربية،* فانتشار اللغة العربية في موريتانيا لا يكاد يقل عنه في المملكة المغربية. وفي حديثنا عن تعريب المغرب كنا نتناول كذلك منطقة موريتانيا التي تمر بنفس الظروف والموجات البشرية تقريبًا، وعرفت الاختلاط بين العرب والبربر وغيرهم مما أتاح لها نوعًا من التعريب. ولا ينفي هذا أن اللهجات البربرية هي اللغات الأصلية لنصف سكان موريتانيا، فيما يقال، وأن نصف هؤلاء يستطيع التعامل بالعربية والبربرية، أي أن ثلاثة أرباع أبناء موريتانيا يستخدمون العربية لغة أساسية أو لغة تعامل أو لغة دين، رغم أن اللغة الفرنسية هي لغة الدولة الرسمية. ويواجهنا
ص292
موقف مشابه إذا اتجهنا في المنطقة الممتدة من السنغال ومالي إلى تشاد، فالعربية مستخدمة هناك في مناطق كثيرة تارة لغة أم وأخرى لغة تداول. وتختلف كثافة هذه المناطق العربية من منطقة لأخرى، فالبحث لا يزال قاصرًا على استيعاب القارة الإفريقية لغويًّا. غير أنا نكتفي هنا بملاحظة بارت Barth وناختيجال(1) Nachtigal أن العربية منتشرة من شمال السنغال ومنطقة النيجر إلى تمبكتو، ثم من بورنو إلى دارفور، والمنطقة الوحيدة التي ينقطع فيها استخدام العربية هي المنطقة من بورنو إلى تمبكتو.
وأكبر تجمع بشري يستخدم العربية كلغة أم في هذه المنطقة هم ذوو حسان، وتسمى لهجتهم العربية باسم "الحسانية". وهو الحسانية أو بنو حسان أو ذوو حسان يتحدثون العربية في حياتهم الخاصة. وقد دون ابن خلدون أول إشارة وصلت إلينا عن هؤلاء العرب الذين يطلق عليهم "عرب المعقل"، وقد عد ليو الإفريقي ذوي حسان أحد فروع ثلاثة كان عرب المعقل ينقسمون إليها(2).
ص293
يقول ابن خلدون: "كان عرب المعقل منذ دخول عرب الهلاليين إلى صحراء المغرب الأقصى أحلافًا وشيعًا لزناتة "العبر 7/ 175". فهؤلاء العرب ربما جاءوا هذه المنطقة مع الهلالية، وربما جاءوا المغرب قبل الهلالية، أو قبيل الهلالية، غير أنا لا نستطيع لقلة المصادر الفصل في هذا، ولكن عبارة ابن خلدون تشير إلى كون عرب المعقل هناك عند دخول الهلالية صحراء المغرب الأقصى.
لقد ألف بنو حسان بالعربية تراثًا لا تزال صورته غير واضحة المعالم، ولعل المكتبات الخاصة والعامة تميط اللثام قريبًا عن هذا التراث غير أنا نود هنا الإشارة على كتاب ألفه محمد بن أحمد يور العاقل الديماني بعنوان: "أخبار الأخبار بأخبار الآبار"(3).
يقول المؤلف في كتابه بالأصل العربي لبني حسان، يقول: "لا خلاف بين علمائنا وأهل النسب من قدمائنا كسيد محمد والد صاحب أنساب أهل الصحراء، وشيخه محمد السيد إلى أن بني حسان أصلهم عرب(4). وذكر المؤلف بعد ذلك شراء شعرًا في مدح بني حسان بأنهم ورثوا الإقدام والجود والنجدة من قريش، وأنهم
ص294
من نسل جعفر بن أبي طالب، ثم قال بعد ذلك: "وقد شاع هذا النسب على ألسنة العامة والخاصة ولهج به الصغير والكبير". ويتضح رأي المؤلف في هذا من العبارة التالية: "واعلم أن كون بني حسان من قريش غير متفق عليه ... وأما كونهم من العرب فلا خلاف فيه ولا شك، وبعضهم ينسبهم لهوازن وبعضهم ينسبهم إلى قريش". ويدعم محمد بن أحمد يور القول بالأصل العربي لبني حسان قائلا: "ويعضد ذلك أنهم لم يتكلموا قط إلا بالعربية" فهم ليسوا من البربر المتعربين بل من العرب الوافدين الذين جاءوا بلغتهم إلى وطنهم الجديد، يقول المؤلف: "بل سمعنا من غير واحد أن لغة أولهم كانت عربية قحة غير مشوبة بشيء من كلام البربر إلا أنها غير معربة".
وقد حدد المؤلف دخول الحسانية هذه المنطقة بالعبارة التالية: "دخلوا هذه البلاد وتغلبوا عليها وعلى ما حولها من بلاد السوادين عام 1040م".
ورغم أن موضوع هذا الكتاب التعريف بالآبار وشرح أسمائها البربرية وأهمية الأماكن التي بها الآبار فإنه يضم كثيرًا من الأخبار ذات الأهمية الاثنولوجية واللغوية، فعندما تحدث عن أحد الأماكن قال عنه: "إنه مستقر بني ديمان من قديم الزمان إلى الآن وكان فيه من العرب أولاد بوزكر ثم جلاهم أمير الترارزة المختار بن عمر" وفي حديثه عن الأماكن المختلفة يذكر العلماء الذين عاشوا فيها أو دفنوا بها، فيقول عن سيد محمد بن سعيد اليدالي "ت 1166هـ" إنه مؤلف "الذهب الإبريز في تفسير كتاب الله العزيز، وحلة السيرى في أنساب خير الورى" .... وبالكتاب فقرات طريفة توضح لنا أن التعليم والتأليف في تلك البقاع لم يكن قاصرًا على الرجال دون النساء، فالمؤلف يذكر في ترجمة أحد العلماء: "أخذ العلم الظاهر عن أخته خديجة بنت محمد العاقل وكانت دولته حينئذ العلامة المختار بن بون صاحب طرة ألفية ابن مالك وغيرها من التصاريف والأمير الصالح الإمام عبد القادر المغربي، قرءوا ثلاثتهم عليها" ويذكر المؤلف بعد ذلك من مؤلفات
ص295
خديجة: "شرح مليح على عقيدة محمد بن يوسف السنوسي المسماة بأم البراهين يدل على نباهتها في المعقول".
ويبدو أن مؤلف هذا الكتاب كان يعرف بجانب العربية البربرية وإحدى لغات إفريقيا السوداء، وهو يشرح أسماء الأماكن في ضوء معارفه هذه "أنو كشوط، أصله أنو كشط" أما كلمة أنو فمعناها بير أو عين ماء، وهو يشرح الكلمة الثانية قائلا: "واكشط بالبربرية من لا أذنان له ومقطوعهما وهو البير الذي بنت الفرانسيسة عنده الآن"(5).
وهكذا يتيح لنا هذا الكتاب معرفة بالحياة اللغوية هناك. ولعل العبارة التالية توضح لنا مدى الصعوبة التي كانت تواجه هؤلاء المؤلفين في تلك الأنحاء وتبين صلتهم بالثقافة العربية، فهو يقول عن محمد الولي بن المختار .... ابن يدال "ت 1166": وكان إذا أوى الناس إلى مراقدهم بالليل أو قد شمعته ويبيت يؤلف إلى طلوع الفجر وكان يقول على وجه الإخبار لا على وجه الافتخار "لو لم يكن بدويا، فإنه كان حضريا لألف السيوطي".
وهكذا عرفت هذه المنطقة اللغة العربية من عدة قرون وعرفى مؤلفين يطالعون مؤلفات ابن مالك ويعلقون عليها ويعرفون السيوطي ويؤلفون بالعربية.
ولا تزال انتشار لهجتها في غرب إفريقيا بحاجة إلى بحث لغوي جغرافي دقيق، ولدينا بحث عن لهجة الحسانية في موريتانيا، ومعجم فرنسي عربي، وعربي فرنسي أعده في دراسته عن السنغال المستشرق مفرنسي باسيه.
هذا وتوجد في المنطقة الممتدة من تمبكتوا إلى كانم وواداي إلى غرب السودان تجمعات بشرية كثيرة تتحدث العربية كلغة أم أو تستخدم العربية كلغة تداول،
ص296
وليست لدينا دراسات تفصيلية عن الحياة اللغوية لهذه الجماعات الأثنية، غير أننا نستطيع -اعتمادا على ما جاء في كتب الرحالة العرب في العصور الوسطى وبعض الرحالة الأوروبيين في العصر الحديث- أن نعرف بعض هذه الجماعات العربية في قلب إفريقيا، وترسم المصادر الصورة التالية العربية هناك:
1- منطقة تشاد بها حوالي مليون عربي، وهؤلاء العرب مرتبطون بعرب الشرق الإفريقي، فهم ينتمون إلى بطون جهينة، وهم بذلك امتداد لبطون جهينة في السودان، وأكثرهم يعيش إلى الآن حياة بدوية قبلية. وأقدم إشارة إليهم نجدها في كتاب المسالك والممالك للبكري "ت 487- 1094". "ويزعمون أن هنالك قومًا من بني أمية صاروا إليها عند محنتهم بالعباسيين وهم على زي العرب وأحوالها"(6). وهذه العبارة عرفها الباحث كامفماير ولم يستطع تفسيرها وإن سلم عن حس صادق بإمكان كونها تعبيرًا عن حقيقة تاريخية، والواقع أن تفسير هذه العبارة مرتبط بتاريخ القبائل العربية في مصر وصدام هذه القبائل مع العباسيين الذين حرموا هؤلاء البدو من مكانتهم كطبقة عسكرية لها رواتبها الدائمة. لقد اصطدم هؤلاء مع السلطة العباسية فكان عليهم إما التحول إلى احتراف الزراعة وإما الرحيل، فتحركت بطون منهم إلى الجنوب. وها نحن نجدهم في القرن الحادي عشر لا يزالون محتفظين في ذاكرتهم بولائهم للبيت الأموي وبلغتهم وبنمط حياتهم. ويبدو أن عرب جذام الذين دخلوا مصر مع الفتح الإسلامي كانوا من هؤلاء العرب، فلدينا في صبح الأعشى "8/ 117" وثيقة يشكو فيها حاكم برنو
ص297
من غزوات "أعراب جذام وغيرهم" وليست هذه الموجة هي المكون البشري العربي الوحيد لمنطقة تشاد فكثير من القبائل العربية هناك تنسب نفسها إلى جهينة، وقد هاجرت جهينة وهي قبيلة جنوبية على مصر في العصر الفاطمي. ونحن لا نعلم علم اليقين الطريق الذي اتخذه هؤلاء من الجنوب العربي إلى تشاد، ربما كان طريقهم عبر سيناء ومصر أو عبر مضيق باب المندب. ولكن الذي يؤكده الرحالة بارت والباحث كامبفماير أنهم لم يصلوا منطقتهم عبر المغرب الأقصى وموريتانيا، فهناك منطقة خاية من الجماعات العربية تقع بين بورنو وتمبكتو، وبذلك ينتمي عرب منطقة تشاد إلى عرب المشرق الإفريقي، فهم مرتبطون مع قبائل السودان لا مع قبائل المغرب.
وقد ذكر الرحالة بارت أسماء عدد من البطون العربية اللغة، وبعضها ينتسب إلى الهلالية. وهم منتشرون في دارفور وواداي وبورنو. ويبدو أنهم في رأي كامبفماير، قد جاءوا هذه المنطقة من تونس، وفي هذا نظر، فالموجات الهلالية الباقية في صعيد مصر والعائدة إلى مصر، أو التي كانت في منطقة فزان يمكن أن تكون مصادر خرجت عنها هذه المجموعة إلى تشاد. هذا وتتعدد أسماء القبائل عند الرحالة الذين جابوا هذه المنطقة، فهم يتحدثون عن بني حسن الذين يتحدثون العربية فقط وعن بني وائل الذين قال عنهم الرحالة إنهم لا يتحدثون العربية ولهم لغة خاصة بهم، وعن أولاد راشد، والمحاميد الذين يتحدثون العربية ولونهم يقل سمرة عن جيرانهم من غير العرب.
ولعل من المفيد أن نشير هنا أن عرب واداي ينسبون أنفسهم إلى عرب اليمن، وتدل القرائن على صحة ذلك. ويؤكد عرب واداي قرابتهم لمعقل، ومعقل من أصل جنوبي. ولا أدل على جنوبية ذوي حسان وأحد فروع معقل الكبرى، من أنهم يصفون أنفسهم باستخدام كلمة "ذو" التي شاعت في هذا السياق بين عرب اليمن، وذلك: مثل: ذو نواس. وهناك دليل آخر على كونهم
ص298
من أصل جنوبي وهو أنهم يستخدمون الإبل المهرية، ولم تكن هناك إبل قبيل دخول العرب إفريقيا، فالرومان لم يذكروا الإبل في شمال إفريقيا وارتباط الإبل بهذه التسمية ونسبتها إلى المهرة دليل على ارتباطها بمنطقة المهرة على الساحل الجنوبي لجزيرة العرب.
وقبل أن نترك هذه المنطقة لا بد أن نشير أن هناك عدة لهجات عربية قد تكونت في وسط إفريقيا(7)، وهذه اللهجات تنضوي بين ما يطلق عليه عند الباحثين اسم: العربية الهجينpidgin- arabic وأهم هذه اللهجات الهجين توجد في تشاد وجنوب السودان وأوغندا(8)، وكل هذه اللهجات متأثرة باللهجات الإفريقية تأثرًا بعيدًا حتى إنه من الصعب على من لم يتعلمها من أبناء اللهجات العربية الأخرى أن يفهمها، ومن ثم يطلق عليها اللهجات الهجين.
ص299
_____________________
(1) اعتمدنا في هذا على بحث
G.Kampffmeyer, Materialen Zum Studium der arabischen Beduinendialekte Innerafrikas, in: MSOS II 1899 II pp. 143 - 221.
* دخلت موريتانيا -في أثناء طبع هذا الكتاب- عضوًا في جامعة الدول العربية وذلك سنة 1973.
(2) في القرن السادس عشر الميلادي ألف الحسن الوزان، المعروف باسم Leo Afrikanus ليو الإفريقي كتابًا ضخمًا في "وصف أفريقية" باللغة العربية، لم يصل إلينا إلا في ترجمته الإيطالية وفي الترجمات الفرنسية واللاتينية والإنجليزية والهولندية المنقولة عن الترجمة الإيطالية. وأغلب الظن أن هذا الكتاب ثمرة معايشة وملاحظة استمرت سنين طويلة، وإلا ما استطاع مؤلفه أن يدون ملاحظات مفصلة بعد عثر سنوات من مفارقته القارة الإفريقية دون أن يقرأ طول هذه الحقبة كتابًا عربيًّا واحدًا في موضوع كتابه. وعلى الرغم من عدم وضوح أسماء الأعلام والقبائل الإفريقية عند ليو الإفريقي نستطيع أن نجد في وصف أفريقية ما لا نجده في المصادر العربية المتاحة، فهو يذكر بطون معقل-وهم هؤلاء العرب المقيمون في مالي- ويقسمهم إلى ثلاثة تجمعات منهم حسان، ويقسم عرب إفريقيا عمومًا إلى قبائل شاهين وقبائل هلال وقبائل معقل
(3) نشر رينيه باسيه R Basset هذا الكتاب العربي ضمن كتابه: Mission au Senegal Paris "1909".
(4) المصدر السابق 561.
(5) المصدر السابق 579.
(6) انظر: أبو عبيد البكري: المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب، وهو جزء من كتاب المسالك الممالك، نشره:
De Slane, Description de L'afrique septentrionale, Alger, 1857.
وأعاد طبعه بالتصوير قاسم الرجب، بغداد 1968.
(7) انظر حول الصيغ المهجنة من العربية:
Bernd Heine, Afrikanische Verkehrssprachen, Koln "1968" s. 121 ff.
(8) انظر مقال المؤلف: "اللغة العربية بين اللغات الدولية المعاصرة" مجلة كلية الآداب والتربية بجامعة الكويت "1972" العدد الأول 32-35.