تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
المساواة أمام القانون (1)
المؤلف:
الشيخ جعفر السبحاني
المصدر:
مفاهيم القران
الجزء والصفحة:
ج2 ، ص367-372.
13-02-2015
1893
تتميّز الحكومة الإسلاميّة عن غيرها من الحكومات بأنّها لا تفرّق بين من يعيشون تحت رايتها في تطبيق القوانين عليهم وشملهم بالأحكام الحقوقيّة ، والجزائيّة فلا تفرّق بين الغنيّ والفقير والراعي والرعيّة ، والحضريّ والقرويّ ، بل والبرّ والفاجر ، على العكس من الحكومات الاُخرى التي تعامل رعاياها على أساس من التمييز والتفريق الشديد أو الخفيف.
وتعود هذه الخصيصة في الحكومة الإسلاميّة إلى طبيعة الدين الإسلاميّ أساساً فإنّ الإسلام يتميّز ـ عن المبادئ الوضعيّة ـ بتركيزه الشديد على التسوية بين جميع أفراد البشر ، مهما اختلفت طبقاتهم وأوضاعهم الاجتماعيّة والسياسيّة ، وانتماءاتهم العشائريّة وتعود هذه التسوية الإسلاميّة إلى أمرين أساسيين :
أوّلاً / اعتقاد الإسلام بوحدة بني الإنسان جميعاً ، في المنشأ والعنصر ، فماداموا جميعاً بشراً من آدم وحواء وهما من تراب وطين.
وماداموا يشتركون في المشاعر والأحاسيس والحاجات والآمال والألام فكلّهم عباد الله تعالى على السواء وكلّهم مخلوقون له بدون استثناء ، فلماذا التمييز بين راعيهم ورعيّتهم وغنيّهم وفقيرهم ؟
إنّ الاختلاف في المكانة الاجتماعيّة والاقتصاديّة لا يمكن ـ في نظر الإسلام ـ أن يكون عاملاً موجباً لتفضيل بعض على بعض ، وإخضاع بعض للقانون دون آخر.
ثانيا / لأنّ التمييز في الأخذ بالقانون وتطبيقه والخضوع له ، وجعل طائفة من الناس فوق القانون ، واُخرى محكومة به ممّا يوهن موضع القانون ، ويقلّل من مهابته ، فينتفي الغرض المهم منه ، وهو تنظيم سلك المجتمع ، وإصلاح وضعه وتنسيق شؤونه.
إنّ مكانة القانون ومهابته تظلّ محفوظة ومصانة ، ما دام يكون موضع الاعتراف والاحترام من الجميع فلا خارج عنه ، ولا مترفّع عليه ، ولا ناقض لأحكامه. ولو سمح الإسلام لأحد أن يخرج عن القانون ويجعل نفسه فوق أحكامه لعاد نقض القانون فخراً. وفي ذلك ما فيه من ضياع النظام وسقوطه ، وانعدام تأثيره.
ولأجل ذلك مضى الإسلام يكافح ـ بدون هوادة وبكلّ قوّة ـ أي نقض للقانون حتّى في أبسط الصور مثل أن يكون لجماعة خاصّة محكمة خاصّة بهم نظراً لمكانتهم الاجتماعيّة والسياسيّة بينما يكون لعامّة الناس محكمة اُخرى لأنّهم الطبقة الدنيا من المجتمع ، وإن كانت الأحكام السائدة في جميع هذه المحاكم المختلفة ، نوعاً واحداً.
إنّ الخضوع والتسليم لهذا الأصل الإسلاميّ في التسوية بين جميع أفراد الاُمّة ، وتطبيق القانون على الجميع بدون استثناء بلغ إلى حدّ أدّى بأن يعتبر الدين الإسلاميّ ، الانقياد للقانون والتسليم له ، من شرائط تحقّق الإيمان وصدق ادّعائه إذ قال سبحانه :
{ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ( النساء : 65).
ومن المعلوم أنّ المراد بتسليمهم للنبيّ هو التسليم لأحكامه والقوانين التي جاء بها والشرع الذي صدع به ، وهو يعني عدم التمييز.
ولقد ذمّ الله سبحانه شرذمة من الناس يخضعون للقانون ويذعنون له ما دام يحقّق مصالحهم وينسجم مع رغباتهم فإذا وجدوه خلاف ذلك نبذوه وخالفوه وأعرضوا عنه ، يقول القرآن عن هؤلاء : { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } ( النور : 48 ـ 49)
وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ } ( الحج : 11 )
ولهذا وصف الله سبحانه ( النسيء ) بأنّه زيادة في الكفر وكان النسيء عبارة عن تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر ... وهو أمر كانت تفعله الجاهليّة فتؤخّر حرمة شهر المحرّم ـ إذا أهلّ وهم في القتال ـ إلى شهر صفر ، وقد كان سدنة الكعبة يرتكبون ذلك لقاء ثمن قليل يأخذونه من المعتدين والراغبين في القتال والعدوان في الأشهر الحرم فقال سبحانه : { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } ( التوبة : 37)
كما ذمّ الله سبحانه أحبار اليهود على تحريفهم الكتاب جلباً لرضا الناس ولقاء أجر بخس حيث قال سبحانه عنهم : { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } ( النساء : 46 )
وقال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ } ( البقرة : 79)
وقال تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ } ( المائدة : 13)
ولقد ورد في ذيل قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللهِ } عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : « إنّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح وبأكل الحرام والرشا وبتغيير الأحكام ، عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات وعرفوهم بالتّعصب الشّديد الذّي يفارقون به أديانهم ، وإنّهم إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه وأعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له من أموال غيرهم ، وظلموهم من أجلهم وعرفوهم يقارفون الحرمات » (2)
ولأجل ذلك رفض الإسلام بشدّة أي شفاعة في إجراء الحدود ، فالحدود يجب أن تجرى على الجميع بغض النظر عن مكانة المستحقّ ما دام مستحقّاً فقد وردت في هذا المجال طائفة كبيرة من الأحاديث ، كما عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) حيث قال : « كان لاُمّ سلمة زوجة النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) أمة فسرقت من قوم ، فأتي بها إلى النّبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) فكلّمته اُمُّ سلمة فيها. فقال النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) : « يا أُمّ سلمة هذا حد من حدود الله لا يُضيعُ ، فقطعها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) » (3)
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : « قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لاُسامة بن زيد : لا يُشفعُ في حدّ » (4)
وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أيضاً قال : « كان أُسامةُ بن زيد يشفعُ في الشيء الذي لا حدّ فيه ، فأتى إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بإنسان قد وجب عليه حدّ فشفع لهُ أُسامةُ ، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : لا تشفع في حدّ » (5)
ولقد جسد النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) هذه التسوية أمام القانون عملياً في قصة سوادة بن قيس.
فقد قال سوادة للنبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) في أيام مرضه لمّا صعد المنبر وطلب من الناس أن يطالبوه بما لهم عليه من حقّ إن كان : يا رسول الله انّك لمّا اقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء وبيدك القضيب الممشوق فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني ، فأمره النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) أن يقتص منه ، فقال اكشف لي عن بطنك يا رسول الله فكشف عن بطنه فقال سوادة : أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك ، فأذن له ، فقال أعوذ بموضع القصاص من رسول اللّه من النار ، فقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « يا سوادة أتعفو أم تقتصّ » فقال سوادة : بل أعفو يا رسول الله ، فقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « اللهمّ اعف عن سوادة بن قيس كما عفى عن نبيّك محمّد » (6)
ولأجل هذا قال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) : « الناس سواسيّة كأسنان المشط » (7)
وأوضح نص في هذا المجال هو قول الله تعالى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } ( المائدة : 45 ) ، فقد جعل الله النفس في مقابل النفس دون تمييز يعود إلى الغنى والفقر ... وما شابه ذلك.
وقد اعتبر الإسلام أي تمييز بين الأفراد أمام القانون بحجّة الغنى والفقر ، أو القوة والضعف إيذاناً بالسقوط والهلاك والعذاب حيث نقل المحدثون عن النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) قوله : « أيُّها الناس ... إنّما هلك من قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ » (8)
كما أنّ أوضح دليل عملي على هذه المساواة هو ما فعله النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في حجّة الوداع ، فإنّه لمّا أبطل ما كان من الربا بين الناس بدأ بعمّه العباس فأبطل ما كان له في ذمّة الناس من الربا قائلاً : « إنّ ربا الجاهليّةُ موضوع وإنّ أوّل ربا أبدأ به ربا العبّاس بن عبد المطلب » (9)
وعندما وضع ما سبق من دماء الجاهلية بدأ بدم عامر بن ربيعة الذي كان من أقرباء النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) فقال : « وإنّ دماء الجاهليّة موضوعة وإنّ أوّل دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن المطلّب » (10)
وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق قال : « قال أمير المؤمنين ( الإمام عليّ بن أبي طالب ) (عليه السلام) لعمر بن الخطاب : ثلاث إن حفظتهنّ وعملت بهنّ كفتك ما سواهنّ ، وإن تركتهنّ لم ينفعك شيء سواهنّ.
قال : وما هنّ يا أبا الحسن ؟
قال (عليه السلام) : إقامة الحدود على القريب والبعيد والحكم بكتاب الله في الرّضا والسّخط والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود.
قال عمر : لعمري لقد أوجزت وأبلغت » (11)
وقد جسّد الإمام عليّ (عليه السلام) هذه التسوية بين الأفراد عمليّاً وذلك لمّا حدّ النجاشيّ فغضب اليمانية فدخل طارق بن عبد الله عليه ، فقال : « يا أمير المؤمنين ما كُنّا نرى أنّ أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العدل ومعادن الفضل سيّان في الجزاء حتّى رأينا ما كان من صنيعك بأخي الحارث فأوغرت صدورنا وشتّت اُمورنا وحملتنا على الجادّة التي كنّا نرى أنّ سبيل من ركبها النار ، فقال (عليه السلام) : « وإنّها لكبيرة إلاّ على الخاشعين ، يا أخا بني نهد ، وهل هو إلاّ رجل من المُسلمين انتهك حُرمة ما حرّم الله فأقمنا عليه حدّاً كان كفّارتهُ ، إنّ الله تعالى قال : { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } ».
فلما جنّ الليل همس هو والنجاشيّ إلى معاوية (12)
إلى غير ذلك من النصوص والأمثلة العمليّة على ذلك.
وينشأ هذا الأصل الإسلاميّ العظيم من إهتمام الإسلام الأكيد بالعدالة الذي يعتبر في حقيقته خصيصة برأسها.
___________________________
(1) فيما كان هذا المقطع من كتابنا يهيّأ للطباعة ( صبيحة 18 / محرم / 1402 ه ) ـ الطبعة الاُولى ـ فجع العالم الإسلاميّ بفقدان علم من أعلام الفقه والفكر هو آية الله العلاّمة السيد محمّد حسين الطباطبائيّ (قدس سره) ذلك الرجل الذي كان ينطوي على كنوز عظيمة من العلم والمعنويّة ، والذي قام ـ طوال ثمانين سنة من عمره المبارك ـ بأعظم الخدمات إلى العالم الإسلاميّ حيث أسّس منهج ( تفسير القرآن بالقرآن ) متمثّلاً في تفسير الميزان وأشاع اُسلوب التفكّر الإسلاميّ على أساس التعقّل والكتاب والسنّة.
ونحن إذ نعزّي العالم الإسلاميّ بهذه الفاجعة نهيب بالمسلمين أن يهتمّوا بما تركه هذا الرجل العظيم من تراث فكريّ غنيّ.
(2) إحتجاج الطبرسيّ ( طبعة النجف ) 2 : 262.
(3 و4 و5) وسائل الشيعة 18 : 332 ـ 333.
(6) وسائل الشيعة 18 : 156 ، سفينة البحار 1 : 671 ، وقد ذكر ابن الاثير في اُسد الغابة نظير هذه القصّة 2 : 374.
(7) من لا يحظره الفقيه 4 : 272.
(8) صحيح مسلم 5 : 114.
(9) تحف العقول : 29 خطبة حجّة الوداع.
(10) تحف العقول : 29 خطبة حجّة الوداع.
(11) وسائل الشيعة 18 : 156.
(12) البحار 41 : 9 و 10.